هل تُنصف الحكومة اللبنانية من يحميها؟

2025.10.23 - 09:36
Facebook Share
طباعة

 يناقش مجلس الوزراء اليوم طلباً تقدّمت به المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يقضي بتعديل البدل المالي للخدمات المأجورة التي يقدمها عناصرها لمؤسسات عامة وخاصة.
ورغم أن الطلب يبدو إدارياً في ظاهره، إلا أنه يفتح ملفاً حساساً يتعلق بإنصاف القوى الأمنية، التي تحوّلت منذ سنوات إلى طرفٍ يدفع كلفة انهيار الدولة والطبقة السياسية معاً.


خدمات تُقدَّم... بلا مقابل فعلي
وفق القانون، تُعتبر الخدمات المأجورة كل مهمة تنفّذها قوى الأمن الداخلي خارج مهامها الأساسية، مثل حماية المنشآت الخاصة، ومواكبة الأموال، وتأمين الفعاليات الرياضية والفنية.
ولقاء ذلك، تُستوفى عائدات مالية تُحوَّل إلى صندوق احتياط المديرية لتأمين المساعدات والمكافآت لعناصرها.
لكن منذ عام 2019، تُحتسب هذه العائدات على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار، في حين فقدت الليرة أكثر من 95% من قيمتها. النتيجة: خدمات تُقدَّم اليوم بسعر شبه مجاني، فيما تتحمّل القوى الأمنية كلفة تشغيلية وموارد بشرية هائلة.


بدلات لا توازي الجهد
من بين أبرز هذه الخدمات، حراسة المصارف الخاصة، والملاعب، وقاعات الحفلات، والمدارس، والمسارح، وصولاً إلى مواكبة الأموال العائدة لمؤسسات خاصة لا للدولة.
لكن المشكلة لا تقتصر على هذه المهام المحدودة زمنياً، بل تتعداها إلى الاستنزاف الدائم للعناصر الذين جرى فصلهم لحماية شخصيات سياسية وإعلامية وقضائية وأفراد من عائلاتهم، تحت عنوان “الضرورات الأمنية”.

وبما أن هؤلاء المستفيدين يسددون بدلات رمزية تحتسب على أساس السعر القديم، تتحمّل الدولة القسم الأكبر من التكلفة، فيما تُستنزف القوى الأمنية في مهماتٍ لا تخدم المصلحة العامة.


طلب رسمي... ومقاومة سياسية
المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء الياس عبد الله وجّه كتاباً إلى وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار لرفعه إلى مجلس الوزراء، طالب فيه احتساب بدلات الخدمات المأجورة بالدولار الأميركي وفق سعر السوق الموازية عند الدفع بالليرة اللبنانية.
وأوضح في طلبه أن الأوضاع الاقتصادية الراهنة وتهاوي القيمة الشرائية للعائدات تُحتّم تصحيح المعادلة، كي تتمكن المؤسسة من تأمين موارد توازي حجم الجهد المبذول في هذه الخدمات.

غير أن هذا الطلب ليس الأول من نوعه. فقد سبق أن تقدّم المدير العام السابق اللواء عماد عثمان بالمقترح نفسه، إلا أن المافيا السياسية – كما يصفها بعض المراقبين – كانت تمنع إقراره بحجج واهية. السبب بسيط: القوى السياسية نفسها هي المستفيد الأول من هذه الخدمات ومن إبقاء كلفتها متدنية.


اختبار جديد لحكومة سلام
اليوم، تجد حكومة الرئيس نواف سلام نفسها أمام امتحان جديد: هل تتعامل بجدّية مع مطلب قوى الأمن الداخلي وتُعيد التوازن المالي لهذه المؤسسة الحيوية، أم تُعيد إنتاج السياسة ذاتها التي تخضع لسطوة الزعماء؟

بعض الوزراء يتوقعون ممانعة قوية من ممثلي الأحزاب داخل الحكومة، خشية المساس بمكتسبات زعمائهم الذين لا يزال كثير منهم يصرّ على مرافقة أمنية شبه دائمة على حساب الخزينة العامة.
وإذا ما رُفض الطلب مجدداً، فسيُقرأ ذلك كرسالة واضحة بأنّ الدولة لا تزال تعطي الأولوية لحماية السياسيين لا لحماية من يحمونها.


العدالة بين الشعارات والواقع
في خضم الأزمة الاقتصادية، يعيش عناصر قوى الأمن الداخلي ظروفاً معيشية قاسية، رواتبهم تآكلت، وميزانيتهم بالكاد تكفي لتسيير المرافق الأساسية.
ورغم ذلك، ما زالوا يُكلّفون بمهام تتعدى واجبهم المهني، من دون تعويض عادل أو تجهيزات ملائمة.
وعليه، فإن إنصاف هذه القوى ليس مطلباً مالياً فحسب، بل مسألة كرامة مؤسسية وعدالة مهنية.

ويبقى السؤال مطروحاً على طاولة مجلس الوزراء اليوم:
هل ستنصف الحكومة من يحرسها؟ أم أن الإصلاح سيتوقف مجدداً عند أبواب المصالح السياسية؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 1