تفجير ثكنة مشاة البحرية الأميركية في بيروت عام 1983 شكل نقطة فارقة في تاريخ لبنان والمنطقة، إذ أودى بحياة مئات العسكريين من الولايات المتحدة وفرنسا، إضافة إلى مدنيين لبنانيين، وترك آثاراً طويلة على المشهد الأمني والسياسي في البلاد.
ويُعد هذا الحادث درسًا حاسمًا للبنان اليوم، إذ يوضح أن الدولة لا يمكن أن تحمي شعبها أو تحافظ على استقرارها ما لم تعالج الانقسامات الداخلية المستمرة وتستعيد سيادتها الكاملة على كامل أراضيها.
برّاك شدّد على أن إعادة لبنان إلى مسار الدولة الموحدة يتطلب معالجة الانقسامات السياسية الداخلية واستعادة سيادة الدولة، إذ أن أي تهاون في ذلك يترك البلاد عرضة للتأثيرات الخارجية والنفوذ الجماعي، ويضاعف خطر الانزلاق نحو صراعات مسلحة جديدة هذه التحديات ليست رمزية، بل تمثل ضرورة استراتيجية لضمان الأمن الوطني ومنع تكرار الأخطاء التاريخية التي استغلت الفراغات السياسية والمؤسسية.
ايضاً قضية نزع السلاح عن الجماعات المسلحة تمثل حجر الزاوية في أي محاولة لتعزيز سلطة الدولة، خطة الولايات المتحدة المعروفة بـ"الفرصة الأخيرة" كانت تهدف إلى إعادة الدولة إلى موقعها الطبيعي كجهة مسيطرة على الأراضي اللبنانية، عبر نزع السلاح تدريجيًا وتقديم حوافز اقتصادية تحت إشراف دولي. مع ذلك، تعرّضت هذه الجهود للعرقلة ما حول دون قدرة الدولة على فرض إرادتها بشكل كامل ويكرّس واقعًا ميدانيًا غير متوازن يجعل الدولة رهينة لتأثيرات سياسية وجماعات مسلحة.
يرى مراقبون أن الفشل في التحرك يعقد المشهد الأمني والسياسي، إذ قد يضطر الجناح العسكري لتلك الجماعات إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل في لحظة ضعف نسبي للدعم الخارجي، بينما يواجه الجناح السياسي احتمالات كبيرة للعزلة على المستوى الإقليمي والدولي مع اقتراب الانتخابات المقبلة. هذا الواقع يؤكد أن معالجة الانقسامات الداخلية ليست خيارًا سياسيًا فحسب، بل ضرورة استراتيجية لمنع انزلاق البلاد نحو صراعات مسلحة جديدة ومرحلة من عدم الاستقرار المتواصل.
تعد الأبعاد العسكرية، درس 1983 يحفّز على تعزيز مؤسسات الدولة وتوحيد القرارات السياسية، بما يسمح بإدارة موارد البلاد بشكل مستقل، وحماية السكان المدنيين، والحفاظ على استقلال القرار الوطني.
لبنان بحاجة إلى استراتيجية شاملة تشمل إعادة ترتيب التوازنات الداخلية بين القوى السياسية، وتحديد دور الجماعات المسلحة، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والقضائية، لضمان قدرة الدولة على فرض سيادتها، وتقديم نموذج لدولة مستقرة تحمي مواطنيها وتدير مواردها بفعالية.
باختصار، معالجة الانقسامات الداخلية واستعادة سيادة الدولة تمثل الضمانة الأساسية لتفادي الصراعات المستقبلية، وضمان الاستقرار السياسي والأمني في الداخل، وفرض موقف قوي ومستقل في مواجهة النفوذ الخارجي والجماعات المسلحة التي تقوّض سلطة الدولة وتهدد مصالح شعبها.