الخطاب الأخير لعبد الملك الحوثي يوضح مرحلة جديدة من محاولة الجماعة إعادة تثبيت موقعها السياسي والعسكري في المشهد اليمني والإقليمي، في ظل تزايد الضغوط الإنسانية والانهيار الاقتصادي في مناطق سيطرتها. فعلى الرغم من التحذيرات الدولية من مجاعة تهدد ملايين اليمنيين، اختار الحوثي أن يرفع سقف التعبئة العسكرية بدلاً من تقديم أي حلول اقتصادية أو مبادرات إنسانية، ما يشير إلى أن الجماعة تراهن على استمرار التصعيد الخارجي كأداة لتوحيد صفوفها الداخلية وضمان السيطرة الأمنية والاجتماعية.
يُظهر مضمون الخطاب أن الحوثي يسعى إلى تحويل المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى معركة رمزية تتجاوز حدود اليمن فهو لا يخاطب جمهوره المحلي فقط، بل يحاول تثبيت موقعه ضمن ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، عبر تصوير جماعته كقوة قادرة على مواجهة القوى الغربية وإفشال مشاريعها في المنطقة.
هذا الخطاب، وإن كان يحمل بعداً أيديولوجياً واضحاً، إلا أنه يهدف عملياً إلى استثمار التصعيد البحري الأخير في البحر الأحمر لإعادة إنتاج شرعية ميدانية وسياسية فقدت الكثير من بريقها داخلياً.
في المقابل، يواصل الحوثيون إحكام قبضتهم على مؤسسات الدولة في صنعاء والمناطق الخاضعة لهم، وسط اتهامات دولية بتسييس المساعدات الإنسانية وفرض قيود مشددة على منظمات الإغاثة هذا الواقع يعمّق من عزلة الجماعة، لكنه يمنحها في الوقت ذاته قدرة على التحكم في موارد المساعدات وتوظيفها كأداة نفوذ داخلي. فبينما يتحدث الحوثي عن “الكرامة والصمود”، يعيش مئات الآلاف من السكان تحت خط الجوع، ويواجه الأطفال والمسنون أسوأ أزمة غذائية منذ اندلاع الحرب عام 2015.
من الناحية العسكرية، الحوثي يسعى إلى تثبيت معادلة ردع بحرية ضد التحالف الدولي في البحر الأحمر، عبر استعراض القدرات الصاروخية والمسيرات. إلا أن هذا التصعيد يحمل مخاطر كبيرة، إذ قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الضربات الأميركية والإسرائيلية، ويجعل اليمن ساحة مواجهة بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية.
في الجوهر، يعكس الخطاب استراتيجية مزدوجة: تعبئة داخلية قائمة على “الثقافة الجهادية” لإطالة عمر السلطة الحوثية، وتسويق خارجي يستند إلى قرار المقاومة ضد إسرائيل وأميركا لتغطية الأزمة الإنسانية والانتهاكات المستمرة في الداخل.
مع غياب أي أفق سياسي واقعي أو مبادرة اقتصادية فاعلة، يرى مراقبون أن الحوثيين يسيرون نحو مزيد من العسكرة والعزلة، في مشهد يعمّق مأساة اليمنيين ويمدّد الصراع إلى أجل غير معلوم.