تستعد محكمة العدل الدولية اليوم الأربعاء لإصدار حكم تاريخي يتعلق بشرعية الحصار الذي فرضته إسرائيل على المساعدات الإنسانية المتجهة إلى قطاع غزة لعدة أشهر، في خطوة تحمل دلالات سياسية وقانونية وإنسانية بالغة الأهمية على الصعيد الدولي.
ويأتي هذا الحكم في سياق النزاع المستمر منذ أكثر من عامين، والذي خلّف دمارًا واسع النطاق، وفراغًا أمنيًا وإداريًا، وأزمة إنسانية خانقة في القطاع. ومن المتوقع أن يشمل الحكم تقييمًا للهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مرافق الأمم المتحدة وموظفيها في غزة، إضافة إلى مدى التزام إسرائيل بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ويحمل الحكم طابعًا استشاريًا غير ملزم قانونيًا، إلا أن أهميته تكمن في تأثيره الرمزي والضغط الذي قد يمارسه على إسرائيل على المستوى الدولي لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الحكم قد يستخدم كمرجع أساسي في أي خطوات لاحقة للمجتمع الدولي لضمان احترام حقوق الفلسطينيين وفق القانون الدولي الإنساني.
المواقف الإسرائيلية والدعم الدولي
ومن جانبها، تواصل إسرائيل نفي الاتهامات الموجهة إليها، مستندة إلى مزاعم بأن حركة حماس اعترضت شحنات المساعدات وباعتها بأسعار مرتفعة، في محاولة لتبرير استمرار القيود على دخول المواد الغذائية والطبية إلى القطاع. وفي الوقت نفسه، حصلت إسرائيل على دعم واضح من الولايات المتحدة، التي أكدت في بيانات رسمية على “حق إسرائيل في اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة”، في خطوة أثارت انتقادات من جهات حقوقية ودولية.
سياق القضاء الدولي والسوابق السابقة
ويعتبر الحكم المتوقع الثالث من نوعه الذي تصدره محكمة العدل الدولية بشأن تصرفات إسرائيل منذ اندلاع الحرب في غزة. فقد أصدرت المحكمة في يوليو الماضي قرارًا قضى بعدم قانونية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وألزمها باتخاذ التدابير اللازمة لمنع ارتكاب إبادة جماعية في القطاع. كما سبق أن أصدرت المحكمة أحكامًا استشارية تناولت مسؤولية إسرائيل عن الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن تقدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب للرأي الاستشاري، في محاولة لوضع إطار قانوني واضح للالتزامات الدولية تجاه حماية المدنيين الفلسطينيين، وخصوصًا في ما يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومباشر دون عرقلة.
يشهد قطاع غزة منذ سنوات أزمة إنسانية مستمرة، حيث يعاني ملايين الفلسطينيين من نقص حاد في الغذاء والدواء والكهرباء والمياه الصالحة للشرب. وقد وثقت منظمات أممية ومحلية حالات متكررة من تأخر أو منع وصول المساعدات، ما زاد من معاناة المدنيين، خاصة النساء والأطفال والمرضى. ويعتبر الحكم المرتقب فرصة لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات وضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لضمان الالتزام بحقوق المدنيين الأساسية.
ردود الفعل المحتملة وتأثير الحكم
من المتوقع أن يثير الحكم اهتمامًا واسعًا في الأوساط الدولية، حيث من شأنه أن يفتح الباب أمام مناقشات جديدة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة حول آليات تنفيذ القرارات الأممية المتعلقة بفلسطين. كما قد يعزز موقف المؤسسات الحقوقية الدولية في الضغط على إسرائيل لضمان الالتزام بالمعايير الدولية، وربما يكون المرجعية القانونية لأي دعاوى لاحقة على المستوى الدولي.
ويرى مراقبون أن الحكم الاستشاري، رغم عدم إلزاميته، قد يشكل ضغطًا سياسيًا ودبلوماسيًا ملموسًا على إسرائيل، خاصة في ظل التحديات المستمرة للوصول الآمن للمساعدات الإنسانية وارتفاع وتيرة الدعوات الدولية لرفع الحصار عن قطاع غزة.
في انتظار صدور الحكم اليوم، تظل أنظار العالم متجهة نحو محكمة العدل الدولية، التي من شأن رأيها الاستشاري أن يشكل علامة فارقة في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. ويأتي هذا القرار في وقت حرج للغاية، إذ يعكس الحاجة الملحة لضمان حماية المدنيين وحقهم في المساعدات الإنسانية، ويعيد تسليط الضوء على الدور الحيوي للقضاء الدولي في مراقبة التزامات الدول وفق القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.