أثار مقطع فيديو لرجلٍ مسن من دمشق تفاعلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما عبّر فيه عن استيائه من بعض المظاهر الاجتماعية الجديدة في العاصمة، معتبرًا أنها لا تشبه ما اعتاد عليه المجتمع الدمشقي. وردّ على حديثه أحد الدعاة بانتقاد حاد، ما أثار نقاشًا عامًا حول حدود حرية الرأي والتعبير وطبيعة التغيرات الاجتماعية والدينية في البلاد.
مواطن يعبّر عن رأيه حول “تغيّرات في الشارع الدمشقي”
في الفيديو الذي جرى تداوله على نطاق واسع، تحدث الرجل بلهجةٍ تحمل الحنين إلى الماضي، مشيرًا إلى تغيّرات طرأت على طبيعة الحياة في دمشق خلال السنوات الأخيرة، وقال إن “ساحة المرجة لم تعد كما كانت، والمالكي لم يعد الحي الهادئ المعروف بطابعه العائلي”، مضيفًا أن ما يراه اليوم “من سلوكيات ومظاهر جديدة لا تتماشى مع ما تربّى عليه الدمشقيون”.
وتطرّق المتحدث إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية في العاصمة سابقًا، حيث وصفها بأنها “قائمة على التعايش بين مختلف الطوائف والمكونات”، معبّرًا عن رغبته في “عودة أجواء الانسجام التي كانت تميز المجتمع السوري”.
تصريحات الرجل قوبلت بتفاعل واسع بين مستخدمي مواقع التواصل، إذ اعتبر البعض أن حديثه “يعكس مخاوف فئة من السوريين من التغيرات السريعة في أنماط السلوك والمظهر العام”، فيما رأى آخرون أن “هذه التغيّرات طبيعية بعد التحولات السياسية والاجتماعية الأخيرة”.
انتشار “سيارات الدعوة” يثير نقاشًا مجتمعيًا
بالتزامن مع انتشار الفيديو، تداول سوريون مقاطع تُظهر سيارات تحمل شعار “الدعوة”، يتجول أصحابها في شوارع دمشق وهم يرتدون اللباس الديني التقليدي ويدعون الناس إلى “الالتزام بالقيم الدينية”، وفق ما تردّد على مواقع التواصل.
وتباينت المواقف تجاه هذه الظاهرة، حيث يرى مؤيدوها أنها “مبادرات فردية للتذكير بالقيم”، بينما يعتبرها آخرون “مظاهر غير مألوفة في بيئة دمشق المدنية”، مطالبين بتنظيمها ضمن الأطر الرسمية والدينية المعروفة لتفادي سوء الفهم أو الاحتكاك مع السكان.
عدد من الأهالي عبّروا عن رغبتهم في “الحفاظ على الطابع المتنوع للعاصمة”، مؤكدين أن “سوريا كانت ولا تزال بلدًا يحتضن مختلف المذاهب والثقافات”.
ردّ ديني يثير الانقسام
الجدل تصاعد بعد أن أصدر أحد الدعاة تسجيلاً مصوراً ردّ فيه على كلام الرجل المسن، واعتبر أن “الحديث عن اللحية والشعر الطويل بازدراء هو خروج عن الملة”.
وقال الداعية إن “اللحية فريضة وليست سنة، ومن يسخر منها أو ينتقدها فقد ارتكب فعلاً كفرياً”، مضيفاً أن “من يتحدث بغير علم في أمور الدين يُعامل معاملة المرتد”.
كما وجّه الداعية كلامه إلى المنتقدين قائلاً: “سوريا ليست لأهل دمشق وحدهم، بل لكل المسلمين من كل البلاد”، مشيراً إلى أن “الوجود الأجنبي في البلاد طبيعي لأنه في سبيل الله”.
ردّه هذا أثار موجة جديدة من الجدل، إذ اعتبره ناشطون “تحريضاً صريحاً ضد مواطن عبّر عن رأيه”، في حين رأى آخرون أن “الداعية عبّر عن وجهة نظر فقهية وإن كانت حادة”.
حرية التعبير بين النص الدستوري والواقع
القضية أعادت إلى الواجهة الجدل حول حدود حرية التعبير في سوريا، بعد أن نصّ الدستور الجديد الذي أقرّته الحكومة الانتقالية على “كفالة حرية الرأي لكل المواطنين”.
نشطاء وحقوقيون حذروا من أن “استخدام الخطاب الديني لتخوين أو تكفير المواطنين” يشكل تهديداً مباشراً للسلم الأهلي، خاصة في مجتمع عرف بتعدديته وتسامحه لعقود طويلة.
من جهتهم، دعا محللون إلى “فصل النقاش الديني عن المجال العام”، مؤكدين أن “النقد الاجتماعي يجب ألا يُواجه بالتحريض أو التكفير”، وأن الحفاظ على هوية المجتمع السوري يمر عبر “احترام حرية المعتقد والمظهر والرأي، ضمن إطار القانون”.
وفي الوقت الذي لم تصدر فيه أي مواقف رسمية حول الحادثة، يستمر النقاش الشعبي عبر المنصات الرقمية، وسط مطالب بوقف حملات التكفير والتضييق الفكري، وحماية المسنين من أي إساءة أو تهديد بسبب آرائهم.