بدأت التفاعلات الداخلية والخارجية لمسألة استعداد لبنان للتفاوض مع إسرائيل تأخذ حيزاً أساسياً متنامياً من المشهد الداخلي، وسط تكهنات ومشاورات سياسية مكثفة بين الرئاسات الثلاث، ولاسيما بعد الاجتماعين الذي جمع رئيس الحكومة جوزف عون برئيس الجمهورية نبيه بري ورئيس مجلس النواب نواف سلام. وتشير المعطيات إلى أن النقاشات تناولت جدية الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة لأي استحقاق تفاوضي، على الرغم من عدم بلورة أي آلية رسمية بعد.
يأتي هذا التحرك في إطار تجربة لبنان السابقة في ترسيم الحدود البحرية، التي تمت بوساطة أميركية وأممية، والتي اعتُبرت نموذجاً ناجحاً للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل. ويعكس استعداد لبنان لمثل هذا النوع من المفاوضات الرغبة في اعتماد نهج متدرج يعتمد على الوساطة الدولية لتفادي أي مواجهة مباشرة أو ضغوط سياسية داخلية قد تؤثر على مسار التفاوض.
على الصعيد الخارجي، يترقب المسؤولون اللبنانيون انطلاق عمل السفير الأميركي الجديد اللبناني الأصل ميشال عيسى، لما سيكون له من دور في توضيح المقاربة الأميركية حيال لبنان، بما في ذلك نطاق المفاوضات وشروطها المحتملة. ويأتي ذلك في وقت يدرس فيه لبنان السيناريوهات المختلفة، والتي تشمل احتمال التوصل إلى تفاهمات مبدئية حول الحدود، أو التعامل مع أي ملفات عالقة بطريقة مرحلية لضمان استقرار داخلي وسيادة وطنية، أو حتى تأجيل أي خطوات رسمية لحين تأكيد الدعم الدولي وضمان حماية مصالح لبنان.
أما على الصعيد الداخلي، فإن أي تفاوض يُتوقع أن يُصاغ بحيث يوازن بين الاعتبارات الأمنية والسياسية، مع محاولة تجنب أي استقطاب شعبي أو سياسي قد ينجم عن المفاوضات المباشرة وتشمل السيناريوهات المحتملة أيضاً ربط المفاوضات بمسارات اقتصادية أو أمنية أوسع، مثل استكشاف موارد الطاقة أو تأمين مناطق نفوذ متفق عليها، بما يتيح للبنان الحفاظ على مكتسباته دون الانجرار إلى صدام مباشر مع إسرائيل.
في المحصلة، يظل الملف التفاوضي اللبناني مع إسرائيل رهين توازنات دقيقة، بين الضغوط الداخلية والتفاعلات الإقليمية والدور الدولي الوسيط، بحيث تُبنى الخطوات التالية على نتائج التقييم الأميركي والمفاوضات غير المباشرة، مع بقاء خيار سيناريوهات متعددة مفتوحاً بما يتوافق مع مصالح لبنان وسيادته.