يشكل قطاع التعليم في غزة أحد أبرز الملفات الإنسانية المتضررة بشكل مباشر من النزاعات المتكررة، إذ لم يتوقف الدمار على المباني فحسب، بل امتد إلى مستقبل أجيال كاملة من الأطفال الذين حرموا من التعلم المنتظم خلال سنوات الحرب. تصريحات مفوض الأونروا، فيليب لازاريني، التي أكّد فيها أن استئناف التعليم يعد «أولوية قصوى»، تسلط الضوء على حجم التحديات وضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لضمان استمرارية العملية التعليمية رغم الأوضاع الصعبة.
تشير وسائل إعلام إلى أن أكثر من 60 ألف طفل استفادوا قبل وقف إطلاق النار من الفصول التعليمية المؤقتة في مراكز الإيواء المجتمعية، الأمر الذي يعكس قدرة الأونروا على التكيف مع الظروف الطارئة، لكنه أيضًا يكشف محدودية الإمكانيات المتاحة أمام الوكالة، لا سيما مع تدمير المدارس بشكل شبه كامل. استمرار الأونروا في توسيع مراكز التعليم غير النظامي يعكس محاولة لتعويض الفقد التعليمي، لكنه يطرح أسئلة حول مدى قدرة هذه الإجراءات على تقديم تعليم نوعي ومستدام للأطفال.
هذه المبادرات تأتي في سياق تحديات موسمية أخرى، حيث أشار لازاريني إلى الحاجة الملحة لتوفير آلاف الخيام وأغطية المشمع مع اقتراب فصل الشتاء، وهو مؤشر على أن الأزمة الإنسانية لا تقتصر على التعليم وحده، بل تشمل الاحتياجات الأساسية للحماية والصحة والتعليم في آن واحد. التعليم عن بعد يتيح نحو 300 ألف طفل، بدعم من معلمي الأونروا، استمرار التعلم، لكنه يواجه قيودًا مرتبطة بالبنية التحتية المحدودة والتقنيات المتاحة في مناطق النزاع.
التحليل يشير إلى أن استئناف التعليم في غزة ليس مجرد إعادة فتح مدارس، بل يمثل اختبارًا لقدرة المجتمع الدولي والأونروا على إدارة الملفات الإنسانية بطريقة مستدامة، وتعكس قدرة الأطفال على التعافي النفسي والاجتماعي بعد صدمات النزاع. قدرة الوكالة على ضمان استمرارية التعليم ستؤثر بشكل مباشر على استقرار المنطقة على المدى الطويل، حيث أن توقف التعليم يزيد من احتمالات انتشار اليأس والتطرف بين الأجيال الناشئة.
في المستقبل، أمام الأونروا خياران رئيسيان: التركيز على التعليم المؤقت كحل سريع لتجنب فقدان الجيل الحالي، أو الاستثمار في إعادة بناء المدارس والمرافق التعليمية بشكل دائم لتأمين استمرارية التعليم النوعي. كلا الخيارين يتطلب موارد مالية ضخمة وتنسيقًا دوليًا واسعًا، فيما يبقى تمويل الوكالة، كما أشار لازاريني، متقلبًا ويعاني من فجوات كبيرة تهدد قدرة البرنامج على تنفيذ عملياته.
باختصار، أزمة التعليم في غزة تمثل مقياسًا للقدرة الإنسانية على التكيف مع نتائج النزاعات المسلحة، كما أنها فرصة لإعادة التفكير في أولويات الدعم الدولي وضمان استمرار الحقوق الأساسية للأطفال في بيئة مستقرة وآمنة.