لماذا تغير الموقف الأوروبي من ملف اللاجئين السوريين في هذا التوقيت؟

2025.10.19 - 01:28
Facebook Share
طباعة

في ظل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، يعود ملف اللاجئين السوريين إلى واجهة النقاش الأوروبي ليس بوصفه أزمة إنسانية فحسب، بل كأحد المفاتيح المحتملة لإعادة تشكيل العلاقات بين أوروبا ودمشق. فبعد سنوات من القطيعة السياسية والعقوبات، بدأت مؤشرات تظهر على تحوّل تدريجي في المقاربة الأوروبية تجاه سوريا، حيث تتقاطع الاعتبارات الأمنية مع الحاجة إلى حلول عملية للهجرة واللجوء.
وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن هذا التحول في الخطاب الأوروبي قد يفتح الباب أمام نمط جديد من التواصل المؤسسي مع الحكومة السورية، يوازن بين ضرورات السياسة الداخلية ومتطلبات الواقعية الإقليمية، فإن عدداً من الباحثين والمراكز البحثية الأوروبية والعربية يرون أن ملف اللاجئين بات مدخلاً لتطبيع تدريجي بين أوروبا ودمشق، دون اعتراف سياسي كامل، بما يمهّد لإعادة صياغة العلاقات الثنائية عبر مقاربة أمنية وإنسانية مشتركة.

تحوّل الملف الإنساني إلى أداة سياسية؟

منذ العام 2015، شكّل تدفق اللاجئين إلى أوروبا واحدة من أعقد أزمات الاتحاد الأوروبي الداخلية، إذ لم يعد الملف محصوراً في بعده الإنساني، لكنه تحوّل إلى ساحة صراع بين تيارات سياسية تتنازع حول الهوية والأمن والاقتصاد وفي السنوات التي تلت، بدأ المنحى يتحول نحو "إدارة الأعداد" بدلاً من "استيعابها"، فظهرت مقاربات قانونية وأمنية جديدة تتجاوز فكرة اللجوء التقليدية نحو مفهوم "العودة المراقبة" أو "الإعادة المبرمجة".

برلين في قلب النقاش الأوروبي:

ضمن هذا الإطار، تُوظّف بعض الحكومات الأوروبية الملف السوري لتبرير إعادة التواصل الأمني مع دمشق خلال الفترة الحالية، بحجة الحاجة إلى قنوات رسمية لتنفيذ قرارات الترحيل لكن هذا التبرير قد يخفي في طيّاته تحوّلاً أعمق في النظرة الأوروبية إلى سوريا، من دولة منبوذة سياسياً في عهد نظام الأسد إلى طرف يُعاد إدخاله تدريجياً في نظام التبادل والمصالح.

لقد شهدت ألمانيا في الآونة الأخيرة سجالاً سياسياً حاداً داخل البرلمان (البوندستاغ) بعد اقتراح وزير الداخلية إنشاء مراكز أوروبية مشتركة لترحيل اللاجئين المرفوضة طلباتهم. الأحزاب اليسارية والخضر حذّرت من خطر انتهاك حقوق الإنسان وتحويل أوروبا إلى "حصن مغلق"، في حين دافعت الأحزاب المحافظة عن الفكرة باعتبارها وسيلة "لحماية الأمن القومي وضبط الهجرة".

تحول في المقاربة الأوروبية:

تتحرك برلين باتجاه مراجعة شاملة لوضع الحماية الممنوحة للسوريين، بدءاً من فئة الشباب القادرين على العمل، مع احتمال سحب الحماية ممن زاروا سوريا بعد حصولهم على اللجوء كما أعلن وزير الداخلية الألماني عن مساعٍ للتوصل إلى اتفاق مع دمشق يسمح بترحيل المدانين قضائياً أولاً، ثم الرافضة طلباتهم لاحقاً.

كما يشهد النقاش الأوروبي تحوّلاً واضحاً في الأسلوب واللغة، فبعد سنوات من القطيعة، باتت عدة عواصم تميل إلى مقاربة أكثر واقعية تُراعي التحولات السورية وأصبح واضحاً أن تجاوز الجمود السياسي بات ضرورياً لإيجاد حلول عملية للتحديات المشتركة، وفي مقدمتها ملف اللاجئين الذي يفرض استحقاقاته الأمنية والإنسانية.

واقعية جديدة في الخطاب الأوروبي:

في هذا السياق، تبرز مقاربة أوروبية أكثر براغماتية تقوم على فتح قنوات تنسيق تقنية مع دمشق، خاصة في الملفات التي تتطلب ترتيبات ميدانية. ويتقدّم ملف اللاجئين هنا بوصفه المسار الأنسب لإطلاق هذا النوع من التعاون.

وقد أشارت ورقة بحثية نشرها مركز كارنيغي إلى أن عدداً من العواصم الأوروبية بدأ بفتح قنوات اتصال غير معلنة مع دمشق عبر ملف اللاجئين، باعتباره مدخلاً لتطبيع تدريجي دون اعتراف سياسي كامل، تمهيداً لدور أوروبي في إعادة الإعمار.

في حين ذكر تقرير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن العودة الواسعة للاجئين غير ممكنة حالياً، مقترحاً مقاربة مرحلية تعتمد على "العودة الاختيارية التدريجية" ضمن أطر مراقبة دولية.


دمشق شريك محتمل في إدارة الحلول:

توماس بيلمر، الباحث البلجيكي في السياسات الأوروبية والشرق أوسطية، رأى أن الاستفادة الأساسية لدمشق تبدأ من تحويل موقعها من مصدر مشكلة إلى شريك في الحل، وهو انتقال رمزي مهم. فدمشق تُعرض الآن من بعض الجهات الأوروبية كجهة يمكن التنسيق معها لضمان العودة، ما يمنح السلطة الجديدة شرعية دبلوماسية منخفضة التصعيد لكنها تصاعدية في المضمون.

وأضاف بيلمر أي اتفاق محدود مع الأوروبيين يمكن أن يُستخدم كبرهان على أن دمشق أصبحت "حلاً" وأن استقرارها بات مصلحة دولية، ما يفتح الباب أمام مفاوضات أوسع تشمل الاقتصاد وربما… 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 2