في الوقت الذي يحتفي فيه العالم بشهر التوعية بسرطان الثدي، تعيش نساء غزة مأساة صامتة تتجاوز المرض إلى معركة بقاء قاسية فبينما تتحدث الحملات العالمية عن الكشف المبكر وسبل الوقاية، تُحرم آلاف النساء في القطاع من أبسط حقوقهن في العلاج، بعد أن أغلقت الحرب المستمرة منذ عامين أبواب المستشفيات في وجههن، وقطعت الطريق إلى القدس حيث كان الأمل بالعلاج.
الحرب التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 حرمت مريضات السرطان في غزة من الوصول إلى المستشفيات المتخصصة في القدس، وعلى رأسها المستشفى الفلسطيني الذي كان يتكفل بعلاج مئات الحالات سنويًا.
أرقام تكشف حجم المأساة:
تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن سرطان الثدي هو السبب الأول للوفيات المرتبطة بالسرطان بين النساء عالميًا، ويتسبب في وفاة واحدة من كل ست وفيات وفي البيئات الفقيرة والمحدودة الموارد – مثل غزة – ترتفع معدلات الوفاة بسبب ضعف إمكانيات الكشف المبكر والعلاج، إذ تمثل هذه البيئات نحو 70% من الوفيات المرتبطة بالمرض.
قبل الحرب، كانت المئات من النساء الغزيات يتلقين العلاج سنويًا في مستشفيات القدس، لكن منذ عام 2023 توقفت جميع التحويلات الطبية وتشير بيانات الجزيرة نت إلى أن آلاف المريضات لم يتمكنّ من استكمال العلاج، فيما تتزايد أعداد الحالات الجديدة التي لا تجد أي فرصة للعلاج داخل القطاع.
علاج مقطوع وأمل مفقود:
تفيد السجلات الطبية بأن مئات المرضى كانوا على قوائم الانتظار لتلقي العلاج الإشعاعي أو الكيميائي قبل اندلاع الحرب، لكن إغلاق المعابر وتدمير المرافق الصحية حال دون وصولهم وتشير التقديرات إلى أن نحو 10 آلاف مريض سرطان يعيشون في غزة، يُشخّص منهم قرابة ألفي حالة جديدة سنويًا، أكثر من ثلثهم نساء مصابات بسرطان الثدي.
وبذلك، يضاف خلال عامين من الحرب أكثر من أربعة آلاف مريض جديد إلى الحالات القديمة، 60% منهم في حاجة ماسة للوصول إلى القدس لاستكمال العلاج الذي لم يعد متاحًا.
ألم يتجاوز حدود الجسد:
انقطاع العلاج عن مريضات السرطان لا يعني فقط توقف الدواء، بل يعني مواجهة مباشرة مع الألم والموت فالسرطان من الأمراض التي تحتاج إلى تشخيص وعلاج مبكرين، وكل تأخير في العلاج يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية.
إلى جانب ذلك، تواجه المريضات ظروفًا معيشية قاسية تشمل الجوع والنزوح وغياب البيئة الصحية والتغذية السليمة، ما يجعل الألم جسديًا ونفسيًا في آن واحد.
فالمريضة التي تعرف أن علاجها موجود على بُعد كيلومترات، لكنها عاجزة عن الوصول إليه، تواجه أقسى أشكال المعاناة الإنسانية.
نظام صحي على وشك الانهيار:
في شهر أكتوبر، الذي يخصص عالميًا للتوعية بسرطان الثدي، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن النساء محرومات للعام الثاني على التوالي من برامج الكشف المبكر والعلاج الوقائي بسبب تدمير مراكز الرعاية الأولية ونقص الأجهزة والأدوية.
وأكدت الوزارة أن أدوية السرطان من أكثر الأصناف تضررًا، وأن كثيرًا من المريضات بحاجة ماسة للعلاج الإشعاعي غير المتوفر في القطاع، في ظل إغلاق المعابر ومنع السفر وتدمير مراكز العلاج التخصصي.
أما في الضفة الغربية، فتشير المعطيات إلى أن إصابات سرطان الثدي في غزة تمثل نحو 30% من إجمالي حالات السرطان بين النساء، بمعدل يقارب 29 إصابة لكل 100 ألف سيدة.
مراكز مدمّرة ومسارات مقطوعة:
الحرب الأخيرة دمّرت المستشفيات والمراكز التي كانت تقدم الخدمات التشخيصية والعلاجية لمرضى السرطان. ومع توقف مستشفيات رئيسية عن العمل، لم تعد هناك بنية تحتية قادرة على التعامل مع الحالات المعقدة.
وبات المرضى يعتمدون على إمكانيات محدودة في مستشفيات متهالكة، بينما تتفاقم الأزمة مع استمرار انقطاع الكهرباء ونقص الكوادر الطبية والمستلزمات الأساسية.
السرطان تحت الحصار:
في غزة، لا يُقاس السرطان بعدد الإصابات فحسب، بل بعدد الأرواح التي حُرمت من العلاج والفرصة في النجاة.
وبينما تتجدد حملات التوعية عالميًا بشعار "الكشف المبكر ينقذ الحياة"، تبقى آلاف النساء في غزة خارج المعادلة، ينتظرن فقط أن يُفتح لهن ممر نحو الحياة.