كشفت وثائق داخلية مسرّبة عن تصدع داخل وزارة الخارجية البريطانية، بعد أن تبيّن أن موظفين كبارًا في الوزارة خالفوا توجيهات وزير الخارجية ديفيد لامي بشأن تعليق العلاقات التجارية مع إسرائيل، وسمحوا عمليًا بزيارة رسمية ذات طابع تجاري إلى تل أبيب، رغم القرار الوزاري القاضي بتجميد المحادثات مع حكومة الاحتلال.
الوثائق، التي حصلت عليها صحيفة “الغارديان” البريطانية، تشير إلى أن مسؤولين في الخارجية دعموا زيارة المبعوث التجاري اللورد إيان أوستن إلى إسرائيل في أواخر مايو الماضي، أي بعد أيام فقط من قرار لامي تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة احتجاجًا على سلوك الحكومة الإسرائيلية في الحرب على غزة.
زيارة مثيرة للجدل
ووفقًا للمراسلات الداخلية، طلب موظفون من الوزارة “توجيهات عاجلة” بشأن الزيارة، إلا أن “خللًا بيروقراطيًا” ــ كما وصفت الوثائق ــ أدى إلى انطلاق الرحلة دون موافقة رسمية من الوزير أو مستشاريه.
ورغم إعلان الخارجية مسبقًا أن اللورد أوستن لن يلتقي أي مسؤول حكومي إسرائيلي، إلا أن صورًا التُقطت خلال الزيارة أظهرت مشاركته في لقاءات مع كبار رجال الأعمال الإسرائيليين، وحضوره حفل استقبال بالسفارة البريطانية في تل أبيب، ألقى خلاله وزير التعليم الإسرائيلي يوعاف كيش كلمة رسمية، في مشهد أثار تساؤلات حول حدود التفويض الذي مُنح للمبعوث التجاري.
محاولات لتبرير القرار
وتُظهر المراسلات أن مسؤولي الخارجية أوصوا بالمضي في الزيارة رغم موقف الوزير. إذ كتب أحد الموظفين في مذكرة داخلية موجهة إلى لامي وزميله اللورد فالكونر: “مجتمع الأعمال الإسرائيلي يشعر بالاضطراب من إعلان تعليق المحادثات. إلغاء الزيارة الآن قد يُرسل إشارة سلبية. استمرار الرحلة سيتيح لنا توضيح أن العلاقات التجارية القائمة لم تتأثر”.
إلا أن مصادر مطلعة أكدت لـ”الغارديان” أن الوزيرين لم يطّلعَا على المذكرة رسميًا، ولم يصادقا على تنفيذ الزيارة، وأبديا لاحقًا “استياءً واضحًا” من تجاوز صلاحياتهما.
تعاون مع الصناعات العسكرية الإسرائيلية
ضمن جدول أعمال الزيارة، عقد اللورد أوستن لقاءً مع مسؤول تنفيذي في شركة رافائيل للصناعات العسكرية، وهي الشركة الإسرائيلية التي استحوذت عام 2022 على شركة بيرسون البريطانية للهندسة. وناقش الطرفان فرص التصدير والبحث المشترك، في وقت تتهم فيه منظمات حقوقية رافائيل بتطوير صواريخ “سبايك” التي استخدمت في هجمات إسرائيلية دامية على قطاع غزة، من بينها استهداف قافلة إسعاف في نوفمبر 2023، ومقتل سبعة من عمال الإغاثة في أبريل 2024، بينهم ثلاثة بريطانيين من منظمة World Central Kitchen.
وتؤكد الوثائق أن السلطات البريطانية حجبت تفاصيل إضافية عن فحوى الاجتماع، لكنها أعدت للمبعوث التجاري أجوبة جاهزة حول تراخيص تصدير السلاح في حال تم طرحها من قبل الجانب الإسرائيلي خلال الزيارة.
أزمة ثقة داخل الحكومة
تسريب الوثائق يسلّط الضوء على تضارب المواقف داخل الحكومة البريطانية إزاء التعامل مع إسرائيل في ظل تصاعد الغضب الشعبي والبرلماني من الحرب في غزة. فبينما يسعى وزير الخارجية ديفيد لامي لإعادة ضبط العلاقة التجارية وفق معايير “المساءلة الحقوقية”، يبدو أن جزءًا من الجهاز البيروقراطي البريطاني يتحرك باتجاه مغاير، مستندًا إلى المصالح الاقتصادية والشراكات الدفاعية طويلة الأمد مع تل أبيب.
ويرى مراقبون أن الحادثة قد تعمّق الانقسامات داخل حكومة حزب العمال التي تواجه ضغوطًا متزايدة من الجناح اليساري المطالب بموقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، في وقت تشهد فيه لندن تظاهرات أسبوعية حاشدة تطالب بوقف تصدير السلاح إلى تل أبيب ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات غزة.