في تطور قضائي بارز ضمن واحدة من أطول القضايا العالقة في لبنان، قرر المحقق العدلي القاضي زاهر حماده، اليوم الجمعة، إخلاء سبيل هنيبعل القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، مقابل كفالة مالية ضخمة بلغت 11 مليون دولار أميركي، مع منعه من السفر خارج الأراضي اللبنانية.
القرار أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والسياسية، خاصة أن القذافي الابن محتجز منذ نحو عشر سنوات دون محاكمة فعلية.
فريق الدفاع: الكفالة "غير منطقية" والمبلغ "تعجيزي"
أوضح فريق الدفاع عن هنيبعل القذافي أن موكلهم لا يمتلك هذا المبلغ نظرًا لأن أمواله محجوزة وخاضعة للعقوبات الدولية منذ عام 2012، مشيرين إلى أن "الرقم المطلوب للكفالة غير منطقي ويفوق قدرته المادية".
وأضاف الدفاع أن معظم أفراد عائلة القذافي تمكنوا خلال السنوات الماضية من رفع العقوبات وتحرير أموالهم، باستثناء هنيبعل الذي لم يتمكن من ذلك بسبب ظروف احتجازه القسري في لبنان، معتبرين أن القرار الأخير "يكرّس الظلم بدل أن يضع حدًا له".
منذ 2015: احتجاز طويل بلا محاكمة
تعود قضية توقيف هنيبعل القذافي إلى ديسمبر 2015، حين أوقفته الأجهزة الأمنية اللبنانية بعد أن استُدرج من سوريا إلى الأراضي اللبنانية، في عملية وصفتها عائلته ومحاموه بأنها "اختطاف منسق".
وأعلنت السلطات اللبنانية آنذاك أن التوقيف تم على خلفية معلومات تتعلق بقضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه عام 1978 في ليبيا، وهي القضية التي شكّلت لعقود محور توتر بين بيروت وطرابلس.
ورغم أن هنيبعل كان في الثانية من عمره وقت وقوع الحادثة، وُجهت إليه لاحقًا تهمة كتم معلومات عن القضية، ليبقى قيد الاحتجاز الاحتياطي في مديرية قوى الأمن الداخلي ببيروت لما يقارب عشر سنوات، دون صدور حكم قضائي نهائي بحقه.
انتقادات دولية وضغوط أممية
تعرّضت السلطات اللبنانية لانتقادات واسعة من منظمات حقوقية وأطراف دولية اعتبرت أن احتجاز القذافي "انتهاك للمواثيق الدولية".
وفي وقت سابق، أحال فريق الدفاع الملف إلى فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، معتبرًا أن استمرار توقيفه "يمسّ بسمعة المؤسسة القضائية اللبنانية" ويعكس "تسييسًا لملف قضائي بحت".
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار التوتر بين المطالبات اللبنانية بكشف مصير الإمام موسى الصدر، وبين الضغوط الليبية لاستعادة هنيبعل ومحاكمته في طرابلس على قضايا أخرى تتعلق بفترة حكم والده.
ويرى محللون أن القرار بإخلاء السبيل المشروط يمثل محاولة من القضاء اللبناني للموازنة بين الضغوط الداخلية والالتزامات الدولية، دون أن يحسم جذور الإشكال القضائي.
في المقابل، يصف مقربون من القذافي القرار بأنه "إفراج معلّق"، لا يحقق العدالة ولا يخفف من الانتهاكات التي تعرض لها خلال فترة احتجازه.
خطوة رمزية أم بداية انفراج؟
يرى محللون أن الكفالة الباهظة تعكس تردد القضاء اللبناني بين إطلاق سراح القذافي الكامل وبين إبقائه رهينة ضغط الرأي العام الشيعي، الذي يعتبر قضية الإمام الصدر ملفًا مقدسًا غير قابل للمساومة.
كما يشير آخرون إلى أن التحركات الليبية الأخيرة لاسترداده قد تدفع باتجاه تسوية سياسية أوسع، تتقاطع فيها الحسابات القضائية مع ملف العلاقات اللبنانية – الليبية التي توترت بشدة منذ عام 2015.
وبينما يبقى هنيبعل القذافي حتى الآن حبيس المعادلة بين القانون والسياسة، يظل السؤال المطروح:
هل يشكل قرار اليوم بداية نهاية احتجازه، أم أنه مجرد فصل جديد من فصول العدالة المعلّقة في لبنان؟