هدنة هشة بين كابل وإسلام آباد.. هل تتجنب الجارتان انزلاقًا إقليميًا جديدًا؟

تصاعد خطير على الحدود قبل اتفاق وقف إطلاق النار

2025.10.16 - 03:20
Facebook Share
طباعة

بعد أيام دامية من المواجهات المسلحة بين القوات الباكستانية والأفغانية، أعلن مسؤولون من الجانبين عن اتفاق هدنة مؤقتة لمدة 48 ساعة لوقف إطلاق النار على طول الحدود المشتركة، التي تحولت في الأسابيع الأخيرة إلى ساحة اشتباكات هي الأعنف منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة في كابل عام 2021.

الاشتباكات، التي اندلعت في مناطق متنازع عليها بين ولايتي قندهار الأفغانية وبلوشستان الباكستانية، أسفرت عن مقتل نحو 40 مدنيًا وإصابة أكثر من مئة آخرين، في مشهد أعاد إلى الأذهان سنوات التوتر المزمن الذي يطبع العلاقات بين البلدين، رغم الروابط القبلية والدينية العميقة بين شعبيهما.

اتهامات متبادلة وتأجيج للتوتر

وجاء التصعيد الأخير إثر اتهامات باكستانية مباشرة لحركة طالبان بالسماح لعناصر من "تحريك طالبان باكستان" (TTP) باستخدام الأراضي الأفغانية كمنطلق لهجماتهم ضد أهداف عسكرية وأمنية داخل الأراضي الباكستانية.
إسلام آباد أكدت أن الجماعات المسلحة تنشط بحرية في المناطق الحدودية، وتحصل على ملاذات آمنة ودعم لوجستي من داخل أفغانستان، وهو ما نفته كابل بشدة، متهمة الجيش الباكستاني في المقابل بـ"نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة" لتبرير عملياته الجوية والبرية داخل الأراضي الأفغانية.

المتحدث باسم حكومة طالبان، ذبيح الله مجاهد، قال إن الهدنة جاءت "بناء على إصرار الجانب الباكستاني"، مؤكداً أن أوامر صدرت للقوات الأفغانية بالالتزام بوقف النار طالما لم تُقدم باكستان على "أي عمل عدائي جديد".
في المقابل، شددت وزارة الخارجية الباكستانية على أن الهدنة جاءت استجابة لطلب أفغاني، وأنها تهدف إلى منع مزيد من الخسائر بين المدنيين في المناطق الحدودية.

غارات وضحايا مدنيون

ورغم الإعلان عن الهدنة، سبقتها غارات جوية باكستانية على منطقة سبين بولدك الحدودية في إقليم قندهار، استهدفت – بحسب مصادر باكستانية – وحدة من قوات طالبان مسؤولة عن تنفيذ هجمات ضد مواقع الجيش الباكستاني. وأكدت مصادر في كابل أن الغارة أدت إلى مقتل العشرات من المدنيين والمقاتلين، فيما امتنعت إسلام آباد عن تقديم أدلة ميدانية تدعم روايتها.
هذه الغارة أعادت الجدل حول مدى التزام الطرفين بالقانون الدولي الإنساني في إدارة النزاعات الحدودية، خاصة أن المناطق المستهدفة مكتظة بالمدنيين واللاجئين.

 

حدود لم تُرسم منذ قرن

يعود أصل النزاع الحدودي إلى الخط الفاصل المعروف بخط دوراند (Durand Line)، الذي رسمه البريطانيون عام 1893، ويمتد لمسافة 2600 كيلومتر بين البلدين.
ورغم اعتراف المجتمع الدولي به كحدود رسمية، فإن طالبان – كسابقاتها من الحكومات الأفغانية – لا تعترف بالخط، وتعتبره تقسيمًا قسريًا فصل بين القبائل البشتونية على جانبي الحدود.
منذ انسحاب القوات الأمريكية عام 2021، تصاعدت الاشتباكات بين الجانبين، إذ تسعى باكستان إلى تثبيت خط الحدود عبر إقامة سياج أمني ومراكز مراقبة، بينما تعتبر كابل هذه الإجراءات تعديًا على أراضيها.

توازنات إقليمية حساسة

يأتي هذا التوتر في سياق إقليمي شديد التعقيد، حيث تخشى دول الجوار – خاصة الصين وإيران وروسيا – من أن يؤدي انفجار الصراع بين باكستان وأفغانستان إلى زعزعة استقرار آسيا الوسطى بأكملها.
وتدرك باكستان أن استمرار الاشتباكات سيؤدي إلى فتح جبهة جديدة في وقت تعاني فيه من أزمة اقتصادية وسياسية داخلية، فيما تواجه طالبان ضغوطًا متزايدة لتثبيت سيطرتها على الداخل الأفغاني ومنع تحول البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.


هدنة اختبارية أم بداية انفراج؟

يرى محللون أن الهدنة الحالية أشبه بـ"اختبار نوايا" بين الطرفين أكثر منها تسوية حقيقية، خصوصًا أن جذور الصراع تمتد عميقًا في التاريخ والجغرافيا والسياسة.
ويشير خبراء إلى أن غياب وساطة دولية فعالة يزيد من هشاشة الوضع، وأن أي حادث بسيط يمكن أن يعيد الاشتباكات إلى الواجهة خلال أيام.
كما أن انعدام الثقة بين طالبان وإسلام آباد بعد سنوات من الاتهامات المتبادلة يجعل من الصعب تصور تهدئة طويلة المدى، خاصة مع استمرار نشاط "تحريك طالبان باكستان" التي تتبنى هجمات متكررة داخل باكستان وتجد دعمًا ضمنيًا في بعض الدوائر الأفغانية.

حدود النار المفتوحة

الهدنة المؤقتة بين أفغانستان وباكستان تمثل استراحة قصيرة في صراع طويل لم تهدأ نيرانه منذ أكثر من قرن.
فما لم تُعالج الأسباب الجذرية للنزاع – من مسألة الحدود إلى ملف الجماعات المسلحة – فإن خطر الانفجار يظل قائمًا، وقد تمتد تداعياته إلى مجمل الأمن الإقليمي في جنوب ووسط آسيا.
وبينما يراقب المجتمع الدولي الوضع بحذر، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الهدنة الهشة أن تتحول إلى فرصة للحوار... أم أنها مجرد فاصل قصير قبل جولة جديدة من الدم؟
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 2