في تصريحات حادة نادرة، وجّه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما انتقادات لاذعة إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، على خلفية قراره نشر قوات الحرس الوطني في ولاية إلينوي، واعتبر أن هذا القرار يجسد "ازدواجية المعايير" في التعامل مع القضايا الداخلية الأمريكية.
وقال أوباما خلال حوار أُجري معه إنّ تصرّف ترامب لو صدر من رئيس ديمقراطي، لكان واجه حملة شرسة من وسائل الإعلام المحافظة، مستشهداً بشبكة فوكس نيوز التي كانت، على حدّ تعبيره، ستشن هجوماً ضارياً لو أقدم هو نفسه على خطوة مماثلة تجاه ولاية مثل تكساس.
وأضاف أوباما: "لو أنني أرسلت الحرس الوطني إلى تكساس وقلت إن هناك جرائم كثيرة في دالاس، وتجاهلت اعتراضات حاكم الولاية، لتعاملت فوكس نيوز مع الأمر على أنه فضيحة وطنية".
وأشار أوباما إلى أنّ موقف ترامب يعكس خللاً عميقاً في الفهم الجمهوري لمبادئ الديمقراطية الأمريكية، مؤكداً أنّ استخدام الجيش داخل الولايات المتحدة يقوّض فكرة خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية، وهي من أبرز ركائز النظام الأمريكي.
تحذير من "تفكك القيم الديمقراطية"
ذكّر أوباما بما يعرف بـ قانون بوسيه كوماتاتوس (Posse Comitatus Act)، الذي يحظر استخدام القوات المسلحة في تطبيق القوانين داخل البلاد، مشدداً على أن نشر الحرس الوطني في المدن "يمثل خطراً حقيقياً على الديمقراطية كما عرفتها الولايات المتحدة عبر تاريخها السياسي".
وأوضح الرئيس الأسبق أن هذا المبدأ كان موضع إجماع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، معتبراً أن التخلي عنه يفتح الباب أمام تسييس المؤسسة العسكرية واستخدامها كأداة لترهيب المواطنين أو ضبط الخلافات السياسية الداخلية.
انتقادات لمؤسسات النخبة الأمريكية
وفي جانب آخر من الحوار، انتقد أوباما ما وصفه بـ"صمت المؤسسات الأمريكية الكبرى" — من جامعات ومكاتب محاماة وشركات — إزاء تصاعد التوجهات التي تمسّ سيادة القانون والحرية الأكاديمية وقيم التنوع في المجتمع الأمريكي.
وقال أوباما: "إذا كنت صاحب عمل، فعليك أن تدافع عن قيم البلاد التي قامت على التنوع والفرص المتكافئة، وألا تسمح بابتزازك أو فرض معايير توظيف عنصرية أو أيديولوجية من قبل سياسيين مثل ستيفن ميلر".
وأضاف أن النخب الاقتصادية والأكاديمية مطالبة اليوم باتخاذ مواقف أخلاقية واضحة، بدلاً من الاكتفاء بالمصالح المالية أو الحسابات السياسية.
إجراءات أمنية مشددة في شيكاغو
وتزامن هذا الجدل مع تقارير من قيادة الشمال الأمريكية تشير إلى نشر نحو 500 جندي من الحرس الوطني — بينهم 200 من تكساس و300 من إلينوي — في منطقة شيكاغو الكبرى، في إطار خطة أمنية تهدف إلى احتواء التوترات بعد تزايد أعمال العنف خلال الأسابيع الأخيرة.
وتعدّ شيكاغو من أكثر المدن الأمريكية التي تشهد جدلاً متكرراً حول قضايا الأمن الداخلي، إذ غالباً ما يستخدمها ترامب مثالاً في خطاباته الانتخابية لتبرير التدخل الفيدرالي المباشر، وهو ما يثير انتقادات واسعة من الديمقراطيين باعتباره "تعدياً على صلاحيات الولايات".
تصريحات أوباما الأخيرة تعكس تصاعد الانقسام داخل الولايات المتحدة حول مفهوم الأمن القومي الداخلي وحدود تدخل السلطة الفيدرالية في شؤون الولايات. وبينما يسعى ترامب لإظهار القوة عبر إجراءات عسكرية رمزية، يحذّر أوباما من أن هذه السياسات قد تقوّض أحد أهم أعمدة النظام الأمريكي: مدنية السلطة وفصلها عن المؤسسة العسكرية.