ما الذي يعرقل استعادة النساء اللبنانيات وأطفالهن من مخيم الهول؟

2025.10.14 - 05:03
Facebook Share
طباعة

ما تزال قضية اللبنانيات العالقات في مخيم "الهول" شمال شرق سوريا تطرح تساؤلات معقدة حول مصير عشرات النساء والأطفال الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة الأمن وسندان الإهمال، فبعد مرور أكثر من خمس سنوات على نهاية سيطرة تنظيم "داعش"، لا تزال أكثر من 19 سيدة وطفلاً لبنانياً يعيشون في ظروف صعبة داخل المخيم، وسط غياب مبادرة رسمية جادّة لإعادتهم.

المخيم الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يضم عشرات الآلاف من النساء والأطفال من جنسيات مختلفة، في بيئة يصفها مراقبون بأنها "خارج القانون"، إذ لا يخضع لأي سلطة قضائية واضحة، وتخضع عملية الخروج منه لشروط مالية أو تفاهمات أمنية معقدة.


من ضباب الحرب إلى عزلة النسيان:

هؤلاء النساء لم يكنّ جميعهن منخرطات في أعمال التنظيم، بل وجدن أنفسهن في دوامة الصراع، بين أزواج مقاتلين أو محاولات فرار من مناطق الحرب. ومع سقوط "داعش"، أصبح المخيم هو الملاذ الإجباري، ثم السجن المفتوح الذي طال أمده.

تقول منظمات حقوقية لبنانية إن بعض النساء تواصلن مع ذويهن عبر وسطاء محليين، مؤكدات رغبتهن بالعودة إلى لبنان "مهما كانت التبعات"، غير أن الجهات الرسمية لم تبادر بخطوات ملموسة، مفضّلة تجنّب الملف بحجّة التعقيدات الأمنية والسياسية.

أطفال بلا هوية:

في الجانب الإنساني، تتفاقم المأساة يوماً بعد آخر. أطفال المخيم، ومن بينهم لبنانيون، يعيشون بلا أوراق ثبوتية، بلا تعليم منتظم، ولا رعاية صحية كافية كثير منهم لا يعرفون من وطنهم سوى الاسم، ولا يدركون معنى الانتماء إلى دولة لم تسعَ بعد لاستعادتهم.

وتشير تقارير دولية إلى أن غياب المتابعة الرسمية جعل بعض الأطفال مهددين بفقدان هويتهم القانونية تماماً، ما قد يحرمهم مستقبلاً من الجنسية أو الخدمات الأساسية، ويجعلهم عرضة للاستغلال أو التجنيد.

العوائق الأمنية والسياسية:

الملف اللبناني في مخيم الهول يواجه جداراً من الحذر الأمني الداخلي فعودة هؤلاء النساء قد تثير مخاوف من إمكانية تورط بعضهن أو أزواجهن السابقين في نشاطات متطرفة، رغم أن كثيرات لم تثبت عليهن أي تهم قضائية.

تخشى السلطات أن يؤدي أي تحرك غير محسوب إلى توترات داخلية، خاصة في ظل المناخ السياسي الهش والانقسام في الرأي العام حول التعامل مع من ارتبطوا بتنظيمات مسلحة.
وهنا يتقاطع الملف الإنساني مع الحسابات الأمنية، في معادلة تُجمّد الحلول وتطيل المعاناة.

الجهود المحدودة والمبادرات الفردية:

خلال السنوات الأخيرة، حاولت بعض المنظمات الإنسانية والحقوقية اللبنانية — بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي — إجراء فحوصات DNA لتأكيد نسب الأطفال اللبنانيين في المخيم. غير أن تلك المبادرات بقيت محدودة النطاق، لغياب قرار رسمي يسمح بتنفيذ عمليات الإجلاء أو المتابعة القانونية.

حتى الآن، لم يصدر أي موقف حكومي واضح يحدد آلية التعامل مع هؤلاء النسوة، ما جعل الملف رهيناً لمراسلات غير معلنة بين جهات أمنية لبنانية وسورية وكردية.

بين الأمن والإنسانية:

معالجة القضية من منظور أمني بحت، دون اعتبار للأبعاد الإنسانية والاجتماعية، يعني ترك جرح مفتوح في الذاكرة اللبنانية، وجيلاً جديداً من الأطفال المحرومين من وطنهم.

التعامل الإنساني مع الملف لا يتناقض مع مقتضيات الأمن، بل يشكّل جزءاً من استراتيجية وطنية لإعادة التأهيل والدمج، وضمان عدم تكرار مآسي الحرب أو تمدد آثارها عبر الأجيال. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 8