رسالة السيستاني إلى «حزب الله».. تحذير مبكر من «حرب بلا قواعد»

2025.10.14 - 04:55
Facebook Share
طباعة

قبل أسابيع من اغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله، كشفت صحيفة الشرق الأوسط عن رسالة سرّية بعث بها مكتب المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، إلى قيادة الحزب في بيروت، حذّرت فيها من «تبعات حرب بلا قواعد» ودعت إلى «حماية أرواح المدنيين في لبنان».

 

تأتي هذه الرسالة، التي وُصفت بأنها «نصيحة دينية وسياسية»، في سياق مرحلة شديدة الاضطراب عاشها لبنان بعد تفجيرات أجهزة «البيجر» التي استهدفت مقاتلي الحزب في سبتمبر (أيلول) 2024، وما تلاها من تصعيد إسرائيلي واسع النطاق أدى إلى مقتل آلاف المدنيين واغتيال نصر الله لاحقاً.

 


تحذير من الفوضى... ونصيحة لحماية المدنيين

وفقاً لتقارير الشرق الأوسط ومقابلاتها مع شخصيات دينية في بيروت والنجف، فإن رسالة مكتب السيستاني وصلت إلى قيادة «حزب الله» بعد تفجيرات «البيجر» مباشرة، وجاءت بصيغة «نصيحة» لا «توجيه».


رجل دين لبناني مشارك في الاجتماع الذي عُقد بعد الحادثة، قال إن السيستاني شدد على أن «القرارات في الأوقات الحرجة ينبغي أن تعطي الأولوية لحياة جميع اللبنانيين، لا لطائفة بعينها».
الرسالة حذّرت أيضاً من أن «الاعتداء على لبنان لا حدود له، وأن نيران الحرب لن تضبطها قواعد، ما يفرض مسؤولية أخلاقية ودينية على الجميع لحماية المدنيين».

تفجيرات «البيجر» التي وقعت في 17 سبتمبر 2024، كانت نقطة التحول الكبرى، إذ تسببت في مقتل 9 أشخاص وإصابة أكثر من 2700، واعتُبرت – بحسب شهادات نقلتها الصحيفة – «بداية النهاية» لتوازن الردع القائم بين الحزب وإسرائيل.
في الأسابيع التالية، توسعت العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتزايدت الغارات على الجنوب اللبناني، وصولاً إلى اغتيال نصر الله في عملية وُصفت بأنها «الأكثر تعقيداً في تاريخ الصراع».

 


موقف النجف... وقلق من انزلاق إقليمي

مصادر دينية عراقية أكدت للصحيفة أن رسالة مكتب السيستاني لم تكن انتقاداً مباشراً لـ«حزب الله»، لكنها حملت تحذيراً صريحاً من «الانجرار إلى حروب تخدم أجندات خارجية».
أحد رجال الدين قال إن «مرجعية النجف لا تفرض قرارات، لكنها تنصح بالاحتكام إلى المصلحة العامة وتجنّب سفك الدماء».
وأضاف أن عشرات من مقلدي السيستاني في لبنان كانوا قد بعثوا بأسئلة إلى النجف حول الموقف الواجب اتخاذه مع تصاعد الحرب، وهو ما دفع المرجعية إلى إصدار توجيهها التحذيري.

البيان العلني الوحيد الذي صدر عن مكتب السيستاني خلال تلك الفترة، في 23 سبتمبر 2024، دعا إلى «بذل كل جهد ممكن لحماية الشعب اللبناني من العدوان الإسرائيلي»، وطالب بتأمين الاحتياجات الإنسانية العاجلة.
في المقابل، ردّ نصر الله في اليوم التالي ببيان حمل لهجة تصعيدية، مؤكداً أن «المعركة بين الحق والباطل» مستمرة، وأن الحزب «لا يعبأ بخذلان الناصرين».

 


لبنان في حسابات المرجعية العراقية

يقول الباحث العراقي هشام داود، من «المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية»، في حديثه لـالشرق الأوسط، إن اهتمام مرجعية النجف بلبنان يتجاوز البعد المذهبي، مشيراً إلى أن «لبنان بالنسبة للسيستاني ناصية مهمة للتواصل مع العالم الغربي، ومختبر للتعددية الدينية والسياسية في المشرق العربي».


ويرى داود أن الرسالة حملت مؤشراً واضحاً على قلق النجف من انزلاق لبنان والمنطقة نحو «فوضى إقليمية»، خاصة أن الحرب آنذاك كانت تهدد بتوسيع دائرة الصراع ليشمل سوريا والعراق.

 


ما بعد الرسالة... ومعركة السلاح والشرعية

بعد عام على وقف الحرب، لا يزال «حزب الله» يواجه ضغوطاً داخلية ودولية متزايدة لتسليم سلاحه والانخراط في الحياة السياسية ضمن مؤسسات الدولة.
لكن الحزب، وفق ما نقلته الشرق الأوسط، لا يزال يرفض تنفيذ خطة «حصرية السلاح» بحجة أنها «تخدم إسرائيل»، فيما تستمر الخلافات حول مستقبل دوره في النظام السياسي اللبناني.

وفي تقرير آخر للصحيفة، نُشر في 12 أكتوبر الحالي، تَبيَّن أن وسطاء اقترحوا على واشنطن نقل أسلحة استراتيجية بحوزة الحزب إلى طرف «ضامن» في العراق كحل مؤقت، لكن المقترح قوبل بالرفض الأميركي القاطع.

 


من تفجيرات «البيجر» إلى اغتيال نصر الله

بدأت شرارة الأزمة في سبتمبر 2024، حين تعرّضت أجهزة اتصال كان يستخدمها عناصر «حزب الله» للتفجير المتزامن، ما أدى إلى سقوط مئات الجرحى.
الحدث كشف عن اختراق أمني واسع النطاق، تبعته حملة إسرائيلية عسكرية غير مسبوقة استهدفت مواقع الحزب في الجنوب والضاحية، وأسفرت حتى نوفمبر عن مقتل 3700 شخص وإصابة أكثر من 15 ألفاً.
في تلك الأجواء، جاءت رسالة السيستاني كتحذير من الانفلات الكامل، لكنها لم تجد طريقها إلى التفعيل، وانتهت الأحداث بمقتل نصر الله، ما فتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوتر في لبنان والمنطقة.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 10