تشهد العلاقات اللبنانية – السورية منذ أشهر مساراً حذراً من التنسيق الرسمي، خصوصاً في الملفات ذات الطابع الإنساني والأمني المعقد. وفي هذا السياق، برزت مؤشرات إيجابية جديدة مع إعلان نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري عن تقدم في صياغة اتفاقية قضائية بين بيروت ودمشق لمعالجة قضية الموقوفين والسجناء السوريين في لبنان، وهي من أكثر الملفات حساسية على المستويين الإنساني والسياسي.
عقد الاجتماع في بيروت بين متري ووزير العدل اللبناني عادل نصار من جهة، ووفد قضائي سوري برئاسة وزير العدل مظهر الويس من جهة أخرى، حيث ناقش الطرفان مسودة الاتفاقية القضائية الجديدة التي تهدف إلى تنظيم التعاون في ملف الموقوفين.
وأوضح متري أن هناك تقدماً في صياغة بنود الاتفاقية، وأن الوفد السوري سيقوم بزيارة ميدانية إلى عدد من أماكن الاحتجاز اللبنانية للاطلاع على أوضاع الموقوفين السوريين.
من جانبه، أكد الوزير نصار أن المباحثات اتسمت بـ"الإيجابية والجدية"، مشيراً إلى أن الاتفاق لن يشمل "المتورطين في المعارك ضد الجيش اللبناني"، في إشارة إلى أن الملفات ذات الطابع الأمني أو الإرهابي ستظل خاضعة للقانون اللبناني حصراً.
أما الوزير السوري مظهر الويس، فأكد أن التعاون القضائي بين البلدين يتجاوز ملف الموقوفين ليشمل تنسيقاً أوسع في المسائل القانونية المشتركة، موضحاً أن الاتفاقية تستند إلى مبدأ احترام سيادة القانون في البلدين وتعزيز العلاقات القضائية الرسمية بعد سنوات من الجمود والتوتر.
يأتي هذا التقدم في ظل تزايد الضغوط الحقوقية والإنسانية على السلطات اللبنانية لمعالجة أوضاع السجناء السوريين، حيث تشير تقديرات منظمات حقوقية إلى أن المئات منهم محتجزون منذ سنوات في قضايا مختلفة، بعضها إجرامي وبعضها يتعلق بالنزوح أو تجاوز الإقامة.
ويرى مراقبون أن الاتفاق المزمع توقيعه يشكل خطوة نحو تطبيع جزئي للعلاقات المؤسسية بين بيروت ودمشق، في وقت تتزايد فيه الدعوات داخل لبنان إلى تفعيل التنسيق مع سوريا في ملفات اللاجئين والمفقودين والموقوفين.
تجدر الإشارة إلى أن ملف الموقوفين السوريين ظل أحد أكثر القضايا تعقيداً بين البلدين منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، حيث تداخلت فيه الجوانب القانونية مع السياسية والأمنية. وكانت محاولات سابقة لإنشاء لجنة قضائية مشتركة قد تعثرت بسبب الانقسام الداخلي اللبناني حول العلاقة مع النظام السوري.
رغم الطابع الفني للمفاوضات، إلا أن الاتفاق القضائي المنتظر سيكون اختباراً لإمكانية إعادة بناء الثقة بين مؤسسات الدولتين الجارتين، وربما مقدمة لتعاون أوسع يشمل ملفات اللاجئين والمفقودين مستقبلاً. أما نجاحه الفعلي، فسيعتمد على مدى التزام الطرفين بتطبيق بنوده ضمن إطار قانوني وإنساني يراعي مصالح المواطنين على جانبي الحدود.