قمة شرم الشيخ.. حبر على ورق أم بداية شرق أوسط جديد؟

2025.10.14 - 12:08
Facebook Share
طباعة

بينما رفعت قمة شرم الشيخ راية “فجر جديد للشرق الأوسط”، محمّلة بآمال إنهاء حرب غزة وفتح صفحة سلام إقليمي، فإن مسار تنفيذ اتفاق ترامب – السيسي ما زال محفوفًا بعقبات جوهرية تهدد بتحويل التفاؤل إلى سراب سياسي جديد في المنطقة.

قمة شرم الشيخ.. من مشهد احتفالي إلى تساؤلات عميقة

القمة التي احتضنتها مدينة شرم الشيخ أمس بمشاركة أكثر من ثلاثين قائدًا عربيًا ودوليًا، بدت في ظاهرها لحظة انتصار دبلوماسي بعد حرب استمرت عامين في غزة، لكنها كشفت في مضمونها هشاشة التفاهمات بين الأطراف المعنية، خصوصًا بشأن الملفات الأكثر حساسية: نزع سلاح حماس، الانسحاب الإسرائيلي الكامل، إدارة القطاع، ومستقبل الدولة الفلسطينية.

ورغم الخطاب المتفائل للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعلن من القاعة الكبرى في شرم الشيخ أن "الحرب انتهت" وأن "السلام بدأ"، فإن الواقع الميداني والسياسي يشير إلى أن الخطة الأميركية ما زالت قيد الاختبار، وسط تناقضات حادة في مواقف كل طرف.

ملفات عالقة.. بين حماس وتل أبيب

تُعدّ قضية نزع سلاح حماس أبرز العقد في طريق تنفيذ الاتفاق. فالحركة ترفض تسليم سلاحها لأي جهة خارجية، مؤكدة أن "السلاح شأن فلسطيني داخلي" لا يخضع للمساومة السياسية. كما تطالب بضمانات أميركية لانسحاب إسرائيلي شامل من القطاع، قبل الدخول في أي ترتيبات داخلية جديدة.

في المقابل، تصرّ إسرائيل على أن بقاء أي سلاح في يد حماس "خط أحمر"، وأن الانسحاب الكامل لن يتم قبل ضمان ترتيبات أمنية صارمة. وحتى الآن، انسحب الجيش الإسرائيلي من معظم مدن القطاع، لكنه يحتفظ بوجود عسكري في رفح جنوبًا، وبعض مناطق الشمال وعلى طول الحدود الشرقية، ما يعكس أن الانسحاب “الفعلي” لم يكتمل بعد.

إدارة غزة.. غموض متعمّد أم فشل مؤجل؟

الخطة الأميركية تنص على إدارة دولية مؤقتة للقطاع، تشرف على حكومة تكنوقراط فلسطينية تتولى إدارة الشؤون اليومية، تمهيدًا لمرحلة انتقالية جديدة. لكن حماس اعتبرت ذلك “وصاية مرفوضة”، مؤكدة أن تشكيل أي حكومة يجب أن يتم عبر “توافق وطني فلسطيني خالص”.

وتشير بنود الخطة إلى إمكانية عودة السلطة الفلسطينية لاحقًا بعد تنفيذ إصلاحات جذرية، وهو ما يواجه اعتراضًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يرفض أي صيغة تُمهّد لقيام دولة فلسطينية مستقلة — البند الأكثر إثارة للجدل في الوثيقة الأميركية.

غموض محسوب.. وقوة في التفاصيل المفقودة

يرى دبلوماسيون غربيون أن “قوة خطة ترامب تكمن في غموضها”، إذ تجنّبت الخوض في التفاصيل الدقيقة التي قد تُفشل المفاوضات، لكنها في الوقت نفسه تركت ملفات حيوية “مفتوحة للنزاع المستقبلي”. ويحذر محللون من أن أي تباطؤ في تنفيذ المراحل المتفق عليها قد يمنح التيارات المتشددة في إسرائيل الذريعة لاستئناف العمليات العسكرية، ما يهدد الاتفاق بالانهيار المبكر.

ترامب.. نفوذ غير مسبوق في الداخل الإسرائيلي

تطور لافت رصده المراقبون هو الارتفاع اللافت لشعبية ترامب داخل إسرائيل، متجاوزًا نتنياهو نفسه، ما يمنحه نفوذًا قويًا في التأثير على قرارات تل أبيب. ويقول الخبير الأميركي جون ألترمان إن “ترامب اليوم قادر على توجيه نتنياهو لأنه أكثر شعبية منه، ويمكنه أن يدعم مستقبله السياسي أو ينسفه بالكامل”.

وفي خطاب ألقاه أمام الكنيست، مازح ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي قائلاً: “الآن يمكنك أن تكون ألطف قليلًا يا بيبي... لأنك لم تعد في حالة حرب.”، في إشارة رمزية إلى نهاية مرحلة المواجهة.

لكن تحذيرات داخلية إسرائيلية تشير إلى أن أي تبدّل في موازين التحالفات داخل الكنيست، أو تراجع الدعم العربي للاتفاق، قد يعقّد مستقبل الخطة ويعيدها إلى نقطة الصفر، خاصة في ظل الجدل حول بند “إقامة دولة فلسطينية مستقبلية” الذي ما زال مرفوضًا إسرائيليًا ومحل انقسام عربي.

اتفاق على الورق أم بداية لشرق أوسط جديد؟

بين تفاؤل ترامب وتصريحات نتنياهو المتحفظة ومطالب حماس الصلبة، يظل اتفاق غزة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الأطراف الدولية على ترجمة الوعود إلى واقع. فبينما يصفه البعض بأنه “الفرصة الأخيرة للسلام”، يرى آخرون أنه “هدنة سياسية مؤقتة” لا تلبث أن تنهار مع أول أزمة ميدانية.

وفي ظل هذا المشهد الملتبس، تبقى غزة — كعادتها — الرهينة الدائمة بين خرائط السياسة وحدود النار.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 10