شهدت المدن الليبية خلال اليومين الماضيين مشهداً متكرراً، يتمثل في اصطفاف مئات المواطنين أمام فروع المصارف منذ ساعات الفجر، بحثاً عن رواتبهم أو سحب مبالغ محدودة، وسط أزمة نقدية تتصاعد وتؤثر على الحياة اليومية لملايين الليبيين.
الأزمة المالية بين السيولة والثقة المفقودة:
يواجه المواطنون في شرق وغرب البلاد صعوبة في الحصول على أموالهم، إذ تنفد السيولة قبل منتصف النهار في بعض الفروع، ما يضاعف معاناتهم ويجعلهم ينتظرون لساعات طويلة ويربط الخبراء الأزمة بعدم توفر النقد الكافي في السوق، إضافة إلى ضعف الثقة في الجهاز المصرفي وارتفاع الرسوم على الخدمات الأساسية، مما يؤدي إلى شعور المواطنين بأنهم يدفعون ثمن الأزمة مرتين: نقص السيولة وارتفاع التكلفة.
السياسات النقدية ومحدودية الحلول:
يعود جزء من المشكلة إلى قرار مصرف ليبيا المركزي بسحب فئات نقدية معينة خلال الصيف الماضي، بهدف مكافحة التزوير وتنظيم الكتلة النقدية، وهو ما أدّى إلى نقص السيولة في السوق المحلي، وفق خبراء اقتصاديين ورغم ضخ البنك المركزي ملياري دينار مؤخراً، إلا أن الخبراء يؤكدون أن هذه الخطوة لا تكفي، وأن معالجة الأزمة تتطلب تنظيم السوق وضبط السياسة النقدية بشكل جذري.
التحول الرقمي كخيار وحيد؟
يرى المركزي أن التوسع في الدفع الإلكتروني قد يقلل الاعتماد على النقد ويخفف الضغط على الفروع، لكن انقطاع النظام بشكل متكرر زاد من معاناة المواطنين.
ويشير الخبراء إلى أن الحل الشامل يحتاج إلى دمج سياسات نقدية حازمة، إعادة هيكلة الخدمات البنكية، وتعزيز الثقة لدى المواطنين، كي لا تتكرر هذه الأزمات مع كل موسم صرف.
استياء حقوقي وشعبي:
انتقدت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان استمرار الطوابير الطويلة أمام المصارف واعتبرت ذلك انتهاكاً لكرامة المواطنين، مطالبة المركزي بضمان احترام حقوق العملاء وتحسين الخدمات، ويؤكد الحقوقيون أن الأزمة ليست مجرد نقص نقدي، بل انعكاس لسياسات مالية لم تُراعِ احتياجات السكان، ما يضع حياة المواطنين اليومية تحت ضغط مستمر ويهدد استقرار الاقتصاد المحلي.