ألقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في «قمة شرم الشيخ للسلام»، خطاباً اتسم بالرسائل المزدوجة — طمأنة وتحفيز — في لحظة وُصفت بأنها مفصلية لمسار الحرب في غزة. ففي وقتٍ تتبدّل فيه موازين القوى بين إسرائيل وحماس، بدا السيسي حريصاً على تثبيت مصر كضامن رئيسي للسلام الإقليمي، وداعم عملي لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة.
حديث السيسي عن «فرصة تاريخية فريدة» لم يكن مجرد توصيف إنشائي، بل إشارة إلى إدراك مصري بأن نجاح اتفاق غزة قد يعيد رسم معادلات النفوذ في المنطقة، ويمنح القاهرة موقع الوسيط المحوري بعد سنوات من تراجع دورها السياسي، كما أن تركيزه على حلّ الدولتين يضع مصر في موقع الراعي الدولي الوحيد تقريباً الذي لا يزال متمسكاً بالصيغة التقليدية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
نداؤه المباشر إلى «شعب إسرائيل» يحمل بدوره دلالات رمزية، إذ يسعى السيسي إلى تجاوز الخطاب الرسمي الموجّه للحكومات نحو رسائل موجهة للرأي العام الإسرائيلي، في محاولة لتغيير المزاج الشعبي حيال فكرة التعايش. في المقابل، شدد على «حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم»، في توازن مقصود بين الواقعية السياسية والدعم التاريخي لحقوق الفلسطينيين.
إعلانه استضافة مؤتمر لإعادة إعمار غزة يهدف إلى تحويل مصر من مجرد وسيط سياسي إلى طرفٍ في التنمية، ما يمنحها أدوات نفوذ إضافية على الأرض، ويجعل ملف غزة ورقة تأثير طويلة الأمد في يدها.
بهذه المقاربة، يسعى السيسي لترسيخ صورة مصر كقوة استقرار لا يمكن تجاوزها في أي تسوية قادمة، مستفيداً من الدعم الأميركي ومن لحظة الهدوء النسبي في المنطقة لإعادة تثبيت مركز الدور المصري في معادلة «اليوم التالي» لغزة.