تحولات ما بعد الهدنة: عُزلة إسرائيل وتبدلات الميدان السوري

2025.10.13 - 10:49
Facebook Share
طباعة

 تُظهر التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، عقب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، ملامح مرحلة سياسية وأمنية جديدة تتجاوز حدود غزة، وتمتد بتأثيراتها إلى سوريا ولبنان والعراق وتركيا.
ففي تقرير تحليلي للكاتب التركي يحيى بستان، نُشر في صحيفة "يني شفق"، تناول الكاتب تداعيات الاتفاق الذي تم بوساطة دولية شاركت فيها تركيا ومصر وقطر والولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن الهدنة لا تمثّل نهاية الحرب بقدر ما تفتح صفحة جديدة من التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.


هدنة برعاية متعددة وضمانات متشابكة
يشير التقرير إلى أن إعلان وقف إطلاق النار، الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد مباحثات شارك فيها رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن في شرم الشيخ، جاء بعد مفاوضات صعبة امتدت لساعات.
ويضيف الكاتب أنه رغم الغموض الذي أحاط ببنود الاتفاق الأولى، إلا أن المعلومات المؤكدة تفيد بأن المرحلة الأولى تقتصر على تبادل الأسرى ووقف شامل لإطلاق النار، مع وجود تفاهمات ضمنية حول دور الدول الضامنة في مراقبة التنفيذ.

وبحسب بستان، فقد صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاحقًا بأن بلاده ستكون جزءًا من قوة مهام ميدانية لمتابعة تطبيق الاتفاق، مؤكداً أن هذه القوة ستُعنى بتنسيق المساعدات الإنسانية، والبحث عن المفقودين، ومراقبة الالتزام بوقف النار. ويرى الكاتب أن هذه الخطوة تمهّد لبحث لاحق حول إمكانية نشر قوة حفظ سلام دولية في غزة إذا ما تم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين.

لكن التساؤلات تبقى مفتوحة، وفق بستان:
هل ستلتزم إسرائيل بالهدنة بعد انتهاء المرحلة الأولى؟ ومن سيمنعها من استئناف العمليات العسكرية؟ وما مصير إدارة قطاع غزة في المرحلة المقبلة؟ وهل سيُعاد ربطه بالسلطة الفلسطينية أم يُدار بإشراف دولي؟
أسئلة لا تزال بلا إجابة واضحة، لكنها تضع تل أبيب أمام أعمق عزلة سياسية في تاريخها الحديث.


انحسار النفوذ الإسرائيلي وتجميد مشروع “إسرائيل الكبرى”
يؤكد التقرير أن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية في غزة شكّل عملياً تجميداً لمخطط “إسرائيل الكبرى”، الذي كان يستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة وفق رؤية جيوسياسية جديدة تمتد من فلسطين إلى سوريا ولبنان.
ويستعرض الكاتب محاور هذا المشروع، الذي سعت تل أبيب لتفعيله منذ سنوات، وكان يقوم على خمسة مرتكزات:
1.احتلال غزة والضفة الغربية بالكامل، والقضاء على حركة حماس، في إطار خطة “ريفييرا” التي تهدف إلى تهجير سكان القطاع العرب، وإلغاء خيار الدولتين نهائيًا.
2.تحجيم النفوذ الإيراني إقليميًا، وعزل طهران عن خطوط الدعم لحلفائها في سوريا ولبنان والعراق.
3.نزع سلاح حزب الله في الجنوب اللبناني، وفرض منطقة عازلة بعمق استراتيجي داخل الأراضي اللبنانية.
4.تفكيك سوريا إلى كيانات فدرالية: حكم ذاتي للدروز في الجنوب، وإدارة ذاتية لـ"قسد" في الشمال، مع إنشاء مناطق منزوعة السلاح جنوب البلاد.
5.ترسيخ تحالفات إقليمية غير متوازنة عبر اتفاقيات إبراهيم، لضمان بقاء النفوذ الإسرائيلي-الأمريكي ومنع تمدد الدور التركي في المنطقة.


لكن، بحسب التقرير، انقلب المشهد رأساً على عقب. فقد فشلت تل أبيب في ضم غزة أو تهجير سكانها، وتراجعت واشنطن عن دعم أي خطة لضم الضفة الغربية، فيما اعترفت دول أوروبية كفرنسا وبريطانيا أخيراً بدولة فلسطين.
أما أخطر ما تواجهه إسرائيل الآن، فهو احتمال نشر قوة دولية ضامنة في غزة، إذ يعني ذلك عملياً حرمانها من شن أي هجوم مستقبلي دون مواجهة المجتمع الدولي بأسره.
ويرى بستان أن مشاركة تركيا في مثل هذه القوة، إن حدثت، ستكون مفارقة دبلوماسية عميقة، إذ لطالما حاولت تل أبيب عبر حلفائها في الشمال السوري تضييق الخناق على أنقرة.


الملف السوري: ميدان التحول المقبل
من زاوية أخرى، يربط التقرير بين العزلة الإسرائيلية والتحركات السورية والتركية الأخيرة، موضحًا أن دمشق وأنقرة قد تجدان في هذه المرحلة فرصة لإعادة صياغة علاقاتهما وتوحيد أولوياتهما الأمنية.
ويشير الكاتب إلى أن "الجمود الحالي في الساحة السورية لم يعد قابلاً للاستمرار"، خصوصًا بعد تصاعد الاشتباكات الأخيرة في حلب وريفها، وتبدل مواقف بعض القوى الدولية تجاه الملف السوري.

ويذكّر التقرير بأن دمشق طلبت في وقت سابق دعماً عسكرياً من أنقرة عقب الهجمات الإسرائيلية على العاصمة السورية، معتبرًا ذلك مؤشراً على براغماتية جديدة لدى الطرفين، خاصة بعد زيارة الرئيس أردوغان إلى الولايات المتحدة ومناقشة الوضع السوري هناك.


تراجع “قسد” وضغط الوقت
يرى بستان أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تواجه اليوم واحدة من أكثر مراحلها حساسية، بعد أن فقدت جزءاً من الغطاء السياسي والدبلوماسي الذي كانت تستند إليه.
ويشير إلى أن “قسد” حاولت سابقاً نقل محادثاتها مع دمشق إلى باريس، لكن الأخيرة رفضت ذلك بدعم من أنقرة. ومع تصاعد الضغوط الميدانية، تدخّل المبعوث الأمريكي الخاص باراك وقائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) كوبر، لتنظيم اجتماع بين “مظلوم عبدي” ووفد من الحكومة السورية في دمشق.

ويؤكد التقرير أن واشنطن، رغم استمرار دعمها العسكري المحدود لـ“قسد”، لا تمنحها تفويضاً سياسياً كاملاً، ما دفع الأخيرة لمحاولة إشراك فرنسا وبعض دول الخليج في أي مفاوضات قادمة. وتتمحور مطالبها حول الحفاظ على اللامركزية ورفض نزع السلاح، إلى حد أن بعض قادتها طالبوا بمنح “مظلوم عبدي” منصباً رفيعاً في الجيش السوري مثل وزير الدفاع أو رئيس الأركان، وهو ما رفضته دمشق بشكل قاطع.

وفي سياق موازٍ، نقل الكاتب تصريحات للمسؤولة الكردية إلهام أحمد، التي دعت تركيا إلى لعب دور “الوسيط المحايد” بين “قسد” ودمشق، معتبرًا ذلك دليلاً على تقلص الخيارات أمام الإدارة الذاتية وتزايد ضغوط الوقت عليها.


نداء أخير قبل التحول
ويختم بستان تحليله بالإشارة إلى اقتراح زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهجلي، بضرورة توجيه نداء جديد من زعيم حزب العمال الكردستاني في إمرالي إلى “قسد” لتسليم سلاحها والانخراط في تسوية وطنية داخل سوريا.
ويرى الكاتب أن هذا النداء، سواء تم عبر لجنة رسمية أم لا، يمثل الفرصة الأخيرة أمام “قسد” لتجنب عزلة سياسية وميدانية متزايدة، والانخراط في مشروع الدولة السورية الموحدة.
فالمشهد، كما يصفه، يتّجه نحو تحولات كبرى: إسرائيل تفقد قدرتها على فرض المعادلات، وسوريا تقف على فوهة تحول قد يعيد رسم ميزان القوى في المنطقة بأكملها.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 5