الجبهة المشتعلة: هل يعوّض نتنياهو فشله في غزة بفتح حرب جديدة في لبنان؟

أماني إبراهيم

2025.10.11 - 04:49
Facebook Share
طباعة

لم تنتظر إسرائيل استكمال تنفيذ اتفاق غزة حتى عادت إلى التصعيد شمالًا، فمع الساعات الأولى من فجر السبت، شهد جنوب لبنان موجة غارات إسرائيلية هي الأعنف منذ أشهر، استهدفت مواقع قالت تل أبيب إنها تابعة لحزب الله، في مشهد يُنذر باحتمال فتح جبهة جديدة، فيما لا تزال جبهة غزة بالكاد تُلملم آثار حربها الطويلة.

التصعيد الجديد الذي طال منطقة المصيلح وأدى إلى مقتل شخص وسقوط عدد من الجرحى، أثار تساؤلات عميقة حول النوايا الإسرائيلية:
هل تمهّد تل أبيب لمرحلة ما بعد غزة عبر “نقل الرصاص شمالاً”؟ أم أنها تسعى فقط إلى تثبيت معادلة ردعٍ جديدة تضمن لها التفوق دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة مع حزب الله؟


من غزة إلى الجنوب اللبناني

منذ اندلاع الحرب على غزة، ظلّ الجنوب اللبناني جبهة مشتعلة على نحو منخفض الوتيرة. كان حزب الله يمارس سياسة “الرد المحسوب”، مكتفياً بقصف متقطع واستهداف مواقع عسكرية حدودية، دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة، في حين كانت إسرائيل تُبقي على نارٍ تحت الرماد، تشنّ غارات محدودة لتقول إنها “تمنع إعادة تموضع الحزب”.

لكنّ التطورات الأخيرة – خصوصًا بعد توقيع اتفاق غزة – تشير إلى تبدّل في قواعد اللعبة. فالغارات الأخيرة جاءت متزامنة مع لحظة سياسية حساسة: انتهاء الحرب في غزة دون نصرٍ حاسم لإسرائيل، ما خلق لدى القيادة الإسرائيلية شعورًا بضرورة “تعويض الردع المفقود” في جبهة أخرى.

 


الأهداف الإسرائيلية المحتملة من التصعيد الجديد

1. إعادة ترميم الردع بعد حرب غزة

تعيش إسرائيل أزمة “صورة الردع” منذ فشلها في تحقيق حسم ميداني في غزة. ومع انتهاء الحرب دون القضاء على حماس أو فرض معادلة جديدة في القطاع، تحاول تل أبيب أن تُظهر أنها ما زالت تمسك بزمام المبادرة.
الغارات على لبنان تأتي هنا كعرض قوةٍ موجه للداخل والخارج، لتأكيد أن الجيش الإسرائيلي لا يزال قادراً على الضرب في أي مكان وزمان، وأن “ما لم يُحسم في غزة، يمكن تعويضه في لبنان”.

2. اختبار جاهزية حزب الله وردّه المحتمل

تدرك إسرائيل أن حزب الله استنزف جزءًا من قدراته خلال الشهور الماضية، سواء بفعل الاستهدافات الدقيقة أو الضغوط الداخلية اللبنانية. لذلك، يرى محللون في تل أبيب أن الغارات المكثفة تهدف إلى اختبار مدى استعداد الحزب للرد، وهل لا يزال قادراً على فتح جبهة كاملة، أم أن الضغوط الداخلية والاقتصادية تمنعه من ذلك.
إنها، بعبارة أخرى، ضربة استباقية واختبار استخباراتي في آنٍ واحد.

3. السيطرة على الشمال ومنع إعادة بناء البنية العسكرية

وفق المصادر الإسرائيلية، فإن الضربات الأخيرة استهدفت “مواقع مرتبطة بإعادة بناء بنى تحتية عسكرية للحزب”. وهو ما يعني أن تل أبيب تتحرك ضمن استراتيجية منع التمركز، التي تتبعها منذ سنوات في سوريا ولبنان، لمنع حزب الله من تطوير قدراته الصاروخية أو تعزيز خطوطه الخلفية استعداداً لأي مواجهة مقبلة.

4. رسالة سياسية موجهة إلى واشنطن وطهران

التوقيت أيضًا لا يخلو من رسائل سياسية متعددة الاتجاهات.
إلى واشنطن، تقول إسرائيل إنها ما زالت رأس الحربة في مواجهة المحور الإيراني، وإنها قادرة على التحرك دون انتظار الضوء الأخضر الأمريكي الكامل.
أما إلى طهران، فالرسالة واضحة: “ذراعك في لبنان لن تكون في مأمن بعد غزة”.
هذه الرسالة تأتي بينما تُكثف إيران وحلفاؤها حديثهم عن “مرحلة ما بعد غزة”، وهو ما تعتبره تل أبيب تهديداً مباشراً لتوازن القوى الإقليمي.

 

 

الهجوم الإسرائيلي الأخير لم يمرّ دون آثار مباشرة.
فإلى جانب سقوط ضحايا مدنيين وقطع الطريق الرابط بين بيروت والجنوب، عاد شبح الحرب ليخيّم على قرى الجنوب اللبناني التي عاشت عاماً كاملاً تحت القصف المتبادل.
وفي الداخل، تتصاعد المخاوف من أن تل أبيب قد تجرّ لبنان إلى مواجهة جديدة في لحظة عجز سياسي واقتصادي غير مسبوقة، حيث الدولة اللبنانية في حالة شلل تام، والجيش في موقع المتفرج أمام صراعٍ إقليمي أكبر من قدرته على احتوائه.

مصادر لبنانية قريبة من حزب الله قالت إن الحزب “لن يترك العدوان دون رد”، لكنه في الوقت نفسه “لن يُمنح إسرائيل ذريعة لحرب واسعة”.
هذا الموقف يعكس توازنًا دقيقًا بين الرد المحدود والحفاظ على معادلة “الردع المتبادل”، دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة لا يريدها الطرفان في الوقت الراهن.


لماذا الآن؟

ما يجري في الجنوب اللبناني ليس حادثًا عابرًا، بل خطوة محسوبة ضمن رؤية إسرائيلية لإعادة رسم المشهد الأمني في الإقليم بعد “تسوية غزة”.
فمن منظور استراتيجي، تخشى إسرائيل أن تتحول جبهة الشمال إلى منصة إيرانية مباشرة بعد الحرب، خاصة في ظل حديث محور المقاومة عن “توحيد الجبهات”.

ولذلك، تسعى تل أبيب إلى تثبيت قواعد اشتباك جديدة قبل أن تستقر الأوضاع في غزة، بحيث تبقي يدها هي العليا في أي مواجهة مقبلة.

إلى جانب ذلك، لا يمكن فصل التصعيد عن الاعتبارات الداخلية في إسرائيل، حيث تواجه حكومة نتنياهو ضغوطاً سياسية وشعبية هائلة بعد الحرب، ما يجعل التصعيد في لبنان وسيلة لصرف الأنظار وإعادة تعبئة الرأي العام خلف “الخطر الخارجي”.

ما بين الردع والتورط

في المحصلة، تبدو إسرائيل اليوم أمام معادلة معقدة:
فهي تريد إثبات قدرتها على الردع دون الغرق في مستنقع جديد، بينما يسعى حزب الله إلى الحفاظ على صورته كقوة مقاومة دون أن يتحمل كلفة الحرب الشاملة.
لكن خطأ واحد في الحسابات قد يشعل المنطقة برمّتها، خصوصاً مع هشاشة التوازنات السياسية والأمنية على طرفي الحدود.

السؤال الذي يبقى مفتوحاً: هل تسعى إسرائيل فعلاً إلى فتح جبهة لبنان لتعويض إخفاقها في غزة، أم أنها تستخدم القصف كأداة ضغط ورسالة ردع فقط؟
الإجابات ربما لن تتأخر طويلاً، فالنار التي اشتعلت في الجنوب، تبدو مرشحة للتمدد أكثر مما يُظن.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 9