في لحظة وُصفت بأنها "بداية التحول الميداني" في غزة، وصل المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وقائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الأدميرال براد كوبر إلى القطاع في أول زيارة أميركية رسمية بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، في خطوة تعكس التحول الأميركي من الدعم العسكري المباشر لإسرائيل إلى إشراف سياسي–ميداني على تنفيذ الاتفاق وضمان استقراره.
بحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، زار ويتكوف وقوبر موقعاً للجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة، في إطار التحقق من التزام تل أبيب بالانسحاب إلى ما وراء "الخط الأصفر"، وهو أحد البنود الجوهرية في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار.
الزيارة التي جرت وسط إجراءات أمنية مشددة، جاءت بعد ساعات من انسحاب آخر الوحدات الإسرائيلية من أحياء مدينة غزة، باستثناء مناطق الشجاعية شمالاً ورفح شرقاً، حيث لا يزال الجيش يمنع عودة المدنيين الفلسطينيين.
وأظهرت صور مسربة من الزيارة وجود رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أيال زمير إلى جانب الوفد الأميركي، من دون أي تعليق رسمي من الجيش الإسرائيلي حول مضمون اللقاءات، بينما أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن الهدف من الزيارة هو "متابعة آلية وقف النار وتقييم إعادة التموضع الميداني".
واشنطن تؤسس مركزاً للتنسيق المدني–العسكري
في تصريحات لاحقة، أعلن الأدميرال براد كوبر أن القيادة المركزية الأميركية بدأت فعلياً بإنشاء مركز تنسيق مدني–عسكري (CMCC)، هدفه تنظيم الأنشطة الإنسانية والأمنية داخل غزة بالتعاون مع الشركاء الدوليين.
كوبر وصف الخطوة بأنها "لحظة تاريخية"، مؤكداً أن القوات الأميركية "تسهم في تحقيق السلام دون وجود ميداني مباشر على الأرض"، في إشارة إلى أن الجنود الأميركيين لن يتمركزوا داخل القطاع بل في محيطه.
وأوضح أن مهمة المركز ستكون تنسيق الجهود بين الأطراف المشاركة في قوة الاستقرار الدولية، بما في ذلك ممثلون من مصر وقطر وتركيا، إلى جانب منظمات الإغاثة الدولية العاملة داخل غزة. كما سيركز المركز على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية والإشراف على إعادة إعمار المناطق المتضررة وتثبيت الهدوء الأمني.
200 جندي أميركي إلى محيط غزة
بالتوازي، أكدت مصادر أميركية لموقع أكسيوس أن نحو 200 جندي أميركي سيصلون إلى محيط قطاع غزة صباح الأحد، على أن يتمركزوا في قاعدة "هاتسور" الجوية الإسرائيلية قرب أشدود، بهدف مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي والمصري.
المسؤول الأميركي أوضح أن "الجنود لن يدخلوا القطاع"، وأن دورهم يقتصر على الجانب التقني واللوجستي المتعلق بإنشاء مركز التنسيق ومتابعة آليات التهدئة.
ووفق التصريحات الأميركية، ستعمل القوة الدولية على مراقبة نزع سلاح حماس وضمان التزام جميع الفصائل الفلسطينية ببنود الاتفاق، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين.
تفاهمات شرم الشيخ
تأتي هذه التحركات الميدانية في أعقاب التفاهمات التي جرت في شرم الشيخ بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني برعاية مصرية–أميركية، والتي نصت على وقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق السكنية، وبدء مرحلة انتقالية تمهيداً لـ"الحكم المدني" في غزة.
وبموجب الاتفاق، تبقى بعض المناطق الحدودية تحت رقابة أمنية مشتركة إلى حين استكمال إعادة انتشار القوات، بينما يُسمح للمنظمات الإنسانية بالتحرك داخل القطاع عبر نقاط محددة تخضع لمتابعة المركز الأميركي الجديد.
واشنطن بين الإشراف والتموضع
تدل زيارة ويتكوف وقوبر إلى غزة على أن الولايات المتحدة باتت تمارس إشرافاً مباشراً على إدارة المرحلة الانتقالية بعد الحرب، في محاولة لتثبيت نفوذها في الساحة الفلسطينية ومنع فراغ سياسي قد تستغله قوى إقليمية منافسة.
كما تشير خطوة إنشاء مركز التنسيق المدني–العسكري إلى رغبة واشنطن في ضبط المشهد الإنساني والأمني في غزة دون التورط بنشر قوات داخلها، ما يمنحها قدرة على التأثير من دون كلفة سياسية أو عسكرية عالية.
لكن في المقابل، يرى مراقبون أن الحضور الأميركي الجديد قد يثير تحفظات فلسطينية بشأن السيادة، خصوصاً في ظل الحديث عن نزع سلاح الفصائل، ووجود مراقبين دوليين في مناطق فلسطينية حساسة.
بينما يواصل الغزيون تفقد ما تبقى من منازلهم بعد أسابيع من الدمار، ترسم زيارة ويتكوف وقوبر ملامح مرحلة جديدة من إدارة الصراع، عنوانها "وقف النار تحت الرقابة الأميركية".
ويبقى السؤال الأبرز: هل ستنجح واشنطن في تحويل هذا الوجود التقني إلى رافعة حقيقية لاستقرار غزة، أم أن المركز المزمع إنشاؤه سيكون مجرد محطة رمزية ضمن صراع النفوذ الدولي على مستقبل القطاع؟