اتهم السياسي الإسرائيلي البارز حاييم رامون، الذي شغل عدة مناصب وزارية وقيادية في حكومات سابقة، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه يقود إسرائيل إلى "كارثة جديدة"، من خلال تبنيه سياسات وصفها بـ"المرتبكة والخطيرة" تجاه قطاع غزة ومستقبل العلاقة مع السلطة الفلسطينية.
وفي مقال رأي نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، كتب رامون أن تصريحات نتنياهو الأخيرة حول ضرورة "إصلاح السلطة الفلسطينية" قبل تمكينها من إدارة قطاع غزة، تكشف تناقضاً صارخاً في سياسة الحكومة الإسرائيلية. وأوضح أن "نتنياهو يزعم أن السلطة فاسدة وخطيرة، لكنه في الوقت ذاته يمنحها صلاحيات مدنية كاملة في الضفة الغربية، ويواصل التعاون الأمني معها دون أي إصلاحات تُذكر"، على حد قوله.
وأضاف رامون متسائلاً: "كيف يمكن لحكومة تصف السلطة الفلسطينية بأنها فاسدة أن تمنحها أسلحة وصلاحيات أمنية واسعة في الضفة، بينما ترفض منحها إدارة مدنية في غزة؟". وتابع أن هذا التناقض يعكس غياب رؤية واضحة لدى نتنياهو، الذي يسعى – بحسبه – إلى تدويل القطاع عبر إشراك قوة عربية مشتركة، وهي فكرة يعتبرها رامون "كارثية وغير منطقية".
وأوضح الوزير الإسرائيلي السابق أن "إدخال قوة مشتركة من دول عربية، مثل السعودية أو مصر، لتتولى إدارة القطاع، سيخلق تعقيدات ميدانية خطيرة"، مشيراً إلى أن أي عملية عسكرية إسرائيلية مستقبلية ضد فصائل مسلحة تابعة لحماس ستصطدم بوجود قوات عربية على الأرض، ما سيقيد حرية عمل الجيش الإسرائيلي. وأضاف: "هل يُعقل أن يزج نتنياهو إسرائيل في مواجهة محتملة مع قوات عربية لمجرد هروبه من التعامل مع السلطة الفلسطينية؟ إنها وصفة مؤكدة للفوضى".
ورأى رامون أن البديل المنطقي هو عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة القطاع، كونها "تعرف المنطقة جيداً" وتربطها علاقات تنسيق أمني وثيقة مع إسرائيل منذ سنوات. وقال: "النموذج في الضفة الغربية ناجح نسبياً؛ فالسلطة تتولى الشؤون المدنية والخدمات والشرطة، بينما يحتفظ الجيش الإسرائيلي بالسيطرة الأمنية الكاملة. هذا الترتيب يمكن تطبيقه في غزة أيضاً، دون الحاجة إلى قوى أجنبية".
وأشار رامون إلى أن السلطة الفلسطينية، رغم خلافاتها الحادة مع إسرائيل، ترى في حركة حماس عدواً وجودياً، وتعمل على تفكيك خلاياها أينما وجدت داخل الضفة الغربية. ووفق قوله، فإن "هذا التعاون الأمني مع السلطة أنقذ أرواح عدد لا يُحصى من الإسرائيليين، وأراح إسرائيل من إدارة حياة ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة".
وفي المقابل، اعترف رامون بأن السلطة الفلسطينية ليست خالية من العيوب، مشيراً إلى استمرارها في "دفع رواتب لعائلات منفذي العمليات"، وتبنيها خطاباً تعليمياً معادياً لإسرائيل، إلى جانب تصريحات مثيرة للجدل لرئيسها محمود عباس. لكنه شدد على أن هذه الممارسات "لا تلغي حقيقة أن التعاون الأمني القائم بين الطرفين يشكل ركيزة أساسية للاستقرار الأمني"، بحسب تعبيره.
وتابع قائلاً: "نتنياهو نفسه يعلم هذه الحقيقة، وقد صرح قبل أسابيع قليلة من أحداث السابع من أكتوبر بأن إسرائيل بحاجة إلى السلطة الفلسطينية لأنها تقوم بالعمل نيابة عنا"، مستشهداً بما قاله نتنياهو في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست.
ورأى رامون أن إصرار نتنياهو على "الفصل بين الضفة وغزة" هو جوهر الأزمة، وهو المفهوم ذاته الذي سمح، بحسب تعبيره، "بنمو وحش حماس"، وقاد إلى فشل السابع من أكتوبر. وأضاف أن محاولة تدويل القطاع تحت ذريعة "إصلاح السلطة" ليست سوى استمرار للسياسة نفسها التي سببت إراقة الدماء في الماضي، محذراً من أن "إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً إذا واصلت السير في هذا المسار".
وتطرق السياسي الإسرائيلي السابق إلى التجارب السابقة مع القوات الدولية، قائلاً إن "التاريخ يُظهر فشل فكرة التدويل في ضمان أمن إسرائيل"، مستشهداً بتجربة قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، حيث "تمكن حزب الله من تعزيز قوته العسكرية تحت أنظار تلك القوات التي اكتفت بغض الطرف".
وشدد رامون على أن "إعطاء القطاع لقوة عربية مشتركة سيتيح لحماس إعادة بناء قدراتها العسكرية، فيما سيمنع الجيش الإسرائيلي من التحرك بحرية"، مؤكداً أن الحل الوحيد يتمثل في "تمكين السلطة الفلسطينية من تولي إدارة مدنية تحت المظلة الأمنية للجيش الإسرائيلي"، باعتبار أن الطرفين يشتركان في هدف القضاء على حماس.
وفي ختام مقاله، وجّه رامون انتقاداً لاذعاً لقادة المعارضة الإسرائيلية، متهماً إياهم بالعجز عن طرح رؤية سياسية بديلة لسياسات نتنياهو، قائلاً: "بدلاً من تحدي سياسات الحكومة، يلتزم قادة المعارضة الصمت أو يتبنون عملياً مواقف نتنياهو نفسها، ما يجعل المشهد السياسي الإسرائيلي رهينة لنهج رجل واحد يقود البلاد نحو هاوية جديدة".
ويُذكر أن حاييم رامون يُعد من الشخصيات السياسية البارزة في إسرائيل، إذ شغل عضوية الكنيست وحقائب وزارية متعددة، كما تولى رئاسة الهستدروت (اتحاد نقابات العمال). بدأ مسيرته في حزب العمل، وكان من أبرز مؤسسي حزب كاديما، ويكتب حالياً عموداً سياسياً أسبوعياً في صحيفة "معاريف سوفاشوفوع".