في خطوة طال انتظارها، وافق مجلس الوزراء على صرف مستحقات مالية لمستوردي الأدوية بلغت قيمتها نحو 96 مليون دولار، بعد سنوات من التجميد والتأجيل، نتيجة تراكم ديون الدولة لصالح المستوردين خلال مرحلة الانهيار المالي والنقدي.
تعود جذور الأزمة إلى سياسات الدعم القديمة التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة، حين ثُبّت سعر صرف الليرة اللبنانية عند 1507 ليرات مقابل الدولار، وجرى دعم استيراد الدواء على هذا الأساس. فكان المستوردون يدفعون بالدولار النقدي لاستيراد الدواء من الخارج، بينما تُباع الأدوية محليًا بالليرة اللبنانية وفق السعر الرسمي المنخفض، فيما كان مصرف لبنان يتولى عملية تبديل الليرات إلى دولارات للمستوردين.
لكن مع تفاقم الأزمة المالية وتوقف المصرف المركزي عن توفير الدولار، بدأت الفواتير تتراكم على الدولة، لتصل قيمتها إلى 185 مليون دولار. وبعد مفاوضات طويلة، أقرّت الحكومة بهذا الدين وأجرت تسوية خُفّض بموجبها المبلغ بنسبة 48% تحت عنوان “دعم قطاع الصحة العامة”، لتستقر القيمة النهائية للدين عند 8,621 مليار ليرة لبنانية، أي ما يعادل نحو 96 مليون دولار.
ورغم التسوية، لن يتم تسديد المبلغ دفعة واحدة. إذ قررت الحكومة اعتماد آلية تقسيط تمتد على سنوات عدة، تُدفع على مراحل بعد انتهاء عملية التدقيق المالي التي تولّتها شركة متخصصة. وفي موازنة عام 2025، خُصصت 1,790 مليار ليرة (نحو 20 مليون دولار) كدفعة أولى لمستوردي الأدوية، على أن يُرصد المبلغ نفسه في موازنة عام 2026 من بند “الأدوية والمواد المخبرية”.
التدقيق المحاسبي الذي أجري أظهر وجود ملاحظات على عدد من الفواتير المقدمة من الشركات، من بينها فواتير مؤرخة قبل التصاريح الجمركية، وأخرى لم تحظَ بتواقيع المصارف المعنية. ومع ذلك، أقرّ المدققون بحق 38 مستوردًا في الحصول على مبالغ مستحقة تصل إلى 182 مليون دولار قبل اقتطاع نسبة التسوية.
القرار الحكومي، وإن جاء بعد تأخير طويل، أعاد بعض الثقة إلى سوق الدواء الذي يعاني من نقص مستمر في الأصناف الأساسية، وارتفاع غير مسبوق في الأسعار. ويأمل المعنيون أن تساهم هذه الخطوة في إعادة تحريك عجلة الاستيراد، وتأمين الأدوية الحيوية التي انخفضت كمياتها في الصيدليات والمستشفيات خلال العامين الماضيين.
لكن مراقبين يحذرون من أن التقسيط على سنوات طويلة قد ينعكس سلبًا على وتيرة استيراد الدواء، في ظل حاجة المستوردين إلى سيولة فورية لتغطية التزاماتهم بالدولار. كما يخشى بعض الخبراء أن يؤدي تأخر الدفع إلى استمرار الأزمة الدوائية، ما لم يُعَد النظر في سياسة الدعم السابقة ووضع آلية أكثر شفافية واستدامة لتمويل القطاع الصحي.