في تطور وُصف بـ"الدراماتيكي"، أعلن المجلس السوري الأمريكي في واشنطن أن مجلس الشيوخ الأمريكي أقر مادة ضمن مشروع الموازنة تتضمن إلغاء قانون قيصر بالكامل، وهو القانون الذي فرض منذ عام 2019 عقوبات اقتصادية قاسية على سوريا، وأصبح أحد أبرز أدوات الضغط الأمريكي على دمشق.
القرار، الذي حظي بتأييد 77 سيناتوراً مقابل 20 معترضاً، يشير إلى تحول ملحوظ في المزاج السياسي داخل الكونغرس تجاه الملف السوري، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من النقاش حول مستقبل العلاقات الأمريكية – السورية.
وفقاً لبيان المجلس السوري الأمريكي عبر منصة "إكس"، فإن المادة المدرجة في الموازنة تنص على إلغاء قانون قيصر دون أي قيد أو شرط مع نهاية العام الحالي، موضحاً أن البنود التي كانت تنص على إعادة فرض العقوبات تلقائياً في حال عدم التزام دمشق، أصبحت الآن أهدافاً غير ملزمة.
ويعني ذلك عملياً أن إعادة فرض القانون في المستقبل ستتطلب مساراً تشريعياً جديداً ومعقداً داخل الكونغرس، ما يقلل من احتمالات عودة العقوبات بنفس الصيغة السابقة.
وأضاف المجلس أن نسخة مجلس الشيوخ من الموازنة ستنتقل الآن إلى مفاوضات مع مجلس النواب الأمريكي لصياغة النسخة النهائية قبل أن تُعرض على الرئيس لتوقيعها، وهو ما يُنتظر أن يتم قبل نهاية العام.
من جانبه، رحّب وزير المالية السوري محمد يسر برنية بالخطوة، واصفاً إياها بأنها "خبر مفرح للشعب السوري"، مؤكداً أن "إلغاء قيصر يمثل نهاية لمرحلة العقوبات الأمريكية القاسية على البلاد".
وأوضح الوزير في منشور عبر "فيسبوك" أن المادة التي أقرها مجلس الشيوخ تضمنت أيضاً بنداً يدعو إلى إعادة افتتاح السفارة الأمريكية في دمشق، معتبراً أن هذا البند يعكس اتجاهاً أمريكياً متزايداً نحو الانخراط الإيجابي مع سوريا بعد سنوات من القطيعة.
كما شدّد برنية على أن الدبلوماسية السورية نجحت في التخلص من آخر وأشد العقوبات المفروضة على البلاد، واصفاً التطور بأنه "إنجاز وطني كبير تحقق بفضل الجهود التي يقودها الرئيس بشار الأسد ووزير الخارجية".
قانون قيصر
أُقرّ قانون قيصر عام 2019 خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، واستند إلى وثائق وصور مسرّبة من داخل سوريا زُعم أنها توثّق انتهاكات خلال سنوات الحرب.
ورغم أن القانون استهدف رسمياً النظام السوري ومن يتعامل معه اقتصادياً أو مالياً، إلا أن آثاره امتدت لتطال قطاعات حيوية في الاقتصاد السوري، وأثرت بشدة على معيشة المواطنين مع تدهور الليرة وارتفاع معدلات التضخم.
ورأى مراقبون أن القانون أحبط أي جهود لإعادة الإعمار أو جذب الاستثمارات الأجنبية، إذ جعل الشركات والمستثمرين في حالة قلق دائم من التعرض للعقوبات.
إلغاء قانون قيصر، إن تم بشكل نهائي، يمثل انعطافة حادة في السياسة الأمريكية تجاه دمشق، ويُنظر إليه كخطوة نحو رفع العزلة الاقتصادية والسياسية المفروضة على سوريا منذ أكثر من عقد.
ويرى مراقبون أن التوجه الجديد يعكس براغماتية متزايدة داخل واشنطن، مع تراجع أولويات الملف السوري في الأجندة الأمريكية، ووجود رغبة في تقليص النفوذ الإيراني والروسي عبر أدوات انفتاح اقتصادي مدروس.
لكن في المقابل، يشير محللون إلى أن إلغاء القانون لا يعني بالضرورة عودة العلاقات إلى طبيعتها فوراً، إذ ستظل العقوبات الأوروبية قائمة، فضلاً عن وجود ملفات شائكة أخرى مثل ملف المعتقلين واللاجئين ودور إيران في سوريا.
بينما تحتفل دمشق بما وصفته بـ"النصر الدبلوماسي"، لا يزال الطريق أمام التنفيذ الفعلي للقرار طويلاً، إذ يتطلب إقرار مجلس النواب وتوقيع الرئيس الأمريكي.
ومع ذلك، فإن التحول في موقف مجلس الشيوخ يفتح نافذة جديدة أمام الاقتصاد السوري المتعثر، ويضع نهاية محتملة لأكثر القوانين تأثيراً في عزلة سوريا.
ويبقى السؤال المطروح: هل يكون إسقاط قانون قيصر بداية لعودة سوريا إلى النظام المالي والدبلوماسي الدولي، أم مجرد تعديل مرحلي في تكتيك واشنطن تجاه دمشق؟