يتجه المشهد الإسرائيلي مساء اليوم نحو مفترق حاسم، إذ يعقد المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) اجتماعا يترقب الجميع مخرجاته، وسط حالة من التوتر السياسي والارتباك الإعلامي، الاجتماع الذي يُفترض أن يحسم الموقف الرسمي من المرحلة الأولى لاتفاق غزة، لا يبدو مجرد إجراء شكلي، وانما اختباراً لموازين القوى داخل إسرائيل، بين ضغوط أميركية متصاعدة ومزايدات يمينية ترفض أي تنازل يُقرأ كـ"نصر للمقاومة".
تسعى الحكومة إلى تسويق الاتفاق كصفقة إنسانية محضة، هدفها إعادة الأسرى الإسرائيليين ووقف إطلاق النار المؤقت، لكن مضمون الخطة يتجاوز ذلك، إذ يتضمن انسحاباً جزئياً من القطاع وفتح الباب أمام مرحلة جديدة في إدارة الصراع، غير أن هذا البعد الاستراتيجي يثير قلق الجناح اليميني، الذي يرى في الخطوة تمهيداً لإنهاء الحرب دون "تحقيق النصر الموعود".
تأخر بدء الاجتماع، وتكرار تأجيل التصويت، يعكسان خلافات عميقة حول الكيفية والتوقيت أكثر من مضمون الاتفاق ذاته، فنتنياهو يحاول الموازنة بين ضغوط الإدارة الأميركية التي دفعت نحو صيغة التسوية الحالية، وبين تهديدات شركائه في الائتلاف الذين يخشون فقدان جمهورهم المتشدد، ورغم معارضة رموز اليمين المتطرف، إلا أن مؤشرات عدة توحي بأنهم لن يغامروا بإسقاط الحكومة في هذه المرحلة، ما يمنح نتنياهو هامشاً محدوداً للمناورة.
في المقابل، تبقي المؤسسة العسكرية على وتيرة القصف بذريعة "الحماية الدفاعية"، لكنها في الوقت نفسه تُعد العدة لتنفيذ الاتفاق فور المصادقة الحكومية، وهو ما يشير إلى توافق ميداني ضمني على الدخول في وقف النار بمجرد صدور القرار السياسي.
أما واشنطن، فتبدو أكثر حسمًا في هذه المرحلة، إذ دفعت بمبعوثيها إلى تل أبيب لمتابعة التفاصيل لحظة بلحظة، ما يعكس إدراكها أن القرار الحقيقي لم يعد بيد الحكومة الإسرائيلية وحدها، بل أصبح جزءاً من إدارة دولية للحرب ونتائجها.
ومع اقتراب لحظة التصويت، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيتمكن نتنياهو من تمرير الاتفاق دون أن يخسر قاعدته اليمينية؟ أم أن اجتماع الكابينت سيتحول إلى محطة جديدة في معركة النفوذ داخل إسرائيل، حيث تلتقي الحسابات الانتخابية مع ضغوط الخارج لتصوغ ملامح المرحلة المقبلة من الحرب والسياسة معاً؟