اتفاق غزة الأخير يشكل فرصة استثنائية لتخفيف معاناة المدنيين، لكنه في الوقت ذاته اختبار لقدرة المؤسسات الدولية على ترجمة التفاهم السياسي إلى أثر عملي ملموس على الأرض، جاهزية فرق الأمم المتحدة لتعزيز الإغاثة والإيواء تعكس إدراك المنظمة لحجم الكارثة الإنسانية، لكنها تفتح تساؤلات حول مدى فعالية التدخل في ظل التعقيدات السياسية والأمنية المستمرة في القطاع.
التحدي الأكبر ليس مجرد إيصال المساعدات، بل ضمان أن يصبح الوصول الإنساني مستدامًا وآمنًا، بعيدًا عن أي ضغوط سياسية أو عراقيل بيروقراطية هذا الواقع يبرز هشاشة الإدارة الدولية للأزمات طويلة الأمد، إذ يظل الاعتماد على الوساطة والدبلوماسية وحدها غير كافٍ لوقف معاناة السكان، خصوصًا مع البنية التحتية المدمرة وغياب الخدمات الأساسية.
على المستوى السياسي، يشكل الاتفاق نافذة لتفعيل مسار حل الدولتين، لكن نجاحه يتوقف على مدى التزام جميع الأطراف بوقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح المحتجزين.
الخطر يكمن في أن تصبح المرحلة الحالية مجرد تهدئة مؤقتة، تُبقي حدة التوتر قائمة وتؤجل معالجة الأسباب الجذرية للصراع.
تحليل الخبراء يشير إلى أن الخطوة الإنسانية لا تعني نهاية الأزمة السياسية، بل بداية مرحلة جديدة من التحديات المعقدة: إعادة الإعمار، استعادة ثقة السكان، وإدارة الحدود بين ما هو ممكن دوليًا وما يفرضه الواقع المحلي على الأرض. أي قصور في هذه المرحلة قد يقوض المجهودات المبذولة ويؤدي إلى دورة متجددة من النزوح والمعاناة.
الاستجابة الفعالة تتطلب نهجًا متعدد الأبعاد، يجمع بين التدخل الإنساني السريع، الضغط السياسي المستمر، ودعم مؤسسات محلية قادرة على إدارة الأزمة بشكل مرن وواقعي. تجربة غزة تطرح درسًا عالميًا حول حدود القدرة الدولية على التدخل في مناطق النزاع، وتكشف عن التحدي المستمر في تحويل الاتفاقيات إلى واقع ملموس يحمي المدنيين ويؤسس لسلام مستدام.
يبقى السؤال المركزي: هل يستطيع المجتمع الدولي استثمار هذه البادرة الإنسانية لتغيير مسار الصراع فعليًا، أم ستبقى مجرد خطوة رمزية تواجه عقبات سياسية مستمرة؟ الإجابة تعتمد على مدى التنسيق الدولي والالتزام بالحلول العملية بعيدًا عن الشعارات، وقدرة الفرق الميدانية على تنفيذ برامج إنسانية شاملة وفعالة.