في ظل تزايد الضغوط البيئية والسياسية والاقتصادية، لم يعد الأمن المائي مسألة بيئية فقط، بل أصبح أحد التحديات الاستراتيجية الكبرى التي تواجه دول العالم. من ندرة المياه إلى تلوثها، ومن الجفاف إلى التصحر، تتفاقم المخاطر لتطال استقرار المجتمعات وسلامة الدول، ما يجعل إدارة المياه ضرورة متزامنة مع الأمن الغذائي.
أبعاد الأزمة المائية العالمية:
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن 90% من سكان العالم يعانون من تدهور الأراضي أو تلوث الهواء أو الإجهاد المائي، في حين يعيش نحو 2.2 مليار شخص دون مياه شرب آمنة ويفتقر نحو 3.5 مليارات إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان. وتتعرض المناطق المنخفضة الدخل بشكل خاص لتفاقم أزمة المياه بسبب ضعف البنى التحتية والنزاعات المستمرة، ما يزيد من هشاشة المجتمعات ويهدد استقرارها.
تأثير الحروب والتغير المناخي على الأمن المائي:
الجفاف والتصحر وتغير الغطاء النباتي الناتج عن التغيرات المناخية، بالإضافة إلى الحروب والنزاعات المسلحة، أدت إلى نزوح السكان وزيادة الزحف إلى مناطق أخرى، ما يفاقم الضغوط على الموارد المائية. وتؤكد الدكتورة شادن دياب أن الأمن المائي أصبح ظاهرة تؤثر اجتماعياً، إذ يربط بين ندرة المياه والهجرة وزعزعة الاستقرار المجتمعي.
ارتفاع الطلب على المياه ومستقبل التحديات:
يتوقع الباحثون أن الطلب على المياه العذبة سيتجاوز العرض بنسبة 40% بحلول عام 2030، مما يهدد أكثر من نصف الإنتاج الغذائي العالمي. كما تشير تقديرات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن ثلثي سكان العالم سيواجهون ندرة المياه بحلول عام 2050 إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة. ويؤثر نقص المياه على الصحة العامة، ويزيد من انتشار الأمراض المعدية، خاصة بين الأطفال الذين يفتقرون إلى خدمات النظافة الأساسية.
استراتيجيات الدول لمواجهة أزمة المياه:
تسعى الدول للتعامل مع تحديات الأمن المائي عبر عدة محاور، منها تطوير البنية التحتية، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتطبيق حلول تكنولوجية مبتكرة. وتشمل هذه الحلول مشاريع تحلية مياه البحر باستخدام الطاقات المتجددة، وأنظمة إعادة التدوير، وتقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة المياه، وتقنيات الري الحديثة، وحتى توليد المياه من الهواء.
التعاون الدولي ومشاريع الأمن المائي:
تستفيد الدول النامية من الخبرات الدولية والتكنولوجيا الحديثة، كما برزت روسيا ومصر والمغرب كشركاء رئيسيين في مشاريع تحلية المياه والزراعة المستدامة. ويعتبر مشروع محطة الضبعة النووية في مصر، ومبادرات تحلية مياه البحر في المغرب، أمثلة على التعاون التقني الدولي لضمان الأمن المائي المستدام.
الأمن المائي لم يعد مجرد قضية بيئية، بل أصبح محورًا استراتيجيًا مرتبطًا بالاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. ومع تزايد تأثيرات التغير المناخي وتفاقم النزاعات، يصبح التركيز على الحلول التكنولوجية والتعاون الدولي ضرورة لضمان استدامة المياه وجودة حياة الأجيال القادمة.