«حماس»: نسعى إلى تذليل كل العقبات أمام اتفاق لوقف حرب غزة

المشهد السياسي والإنساني في ذروة التعقيد.. والمفاوضات تدخل مرحلة حاسمة في شرم الشيخ

2025.10.07 - 05:10
Facebook Share
طباعة


في لحظة فارقة من عمر الحرب على قطاع غزة، أعلن القيادي في حركة «حماس» فوزي برهوم أن وفد الحركة المفاوض في مصر يعمل على «تذليل كل العقبات» للوصول إلى اتفاق شامل ودائم لوقف إطلاق النار، محذّراً من «محاولات إسرائيلية متعمّدة» لإفشال الجولة الحالية من المفاوضات التي تُعقد في مدينة شرم الشيخ برعاية مصرية ودعم أميركي ودولي متزايد.

رؤية حماس: وقف دائم وشامل للحرب

برهوم، وفي كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى الثانية للحرب، شدّد على أن «حماس تسعى إلى اتفاق لا يقتصر على التهدئة المؤقتة، بل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من كل مناطق قطاع غزة».
وأوضح أن الهدف المركزي هو إنهاء الاحتلال العسكري للقطاع، وفتح الطريق أمام عملية إعادة إعمار شاملة تحت إشراف هيئة وطنية فلسطينية من التكنوقراط، لضمان الحياد والكفاءة والشفافية في إعادة بناء ما دمّرته الحرب.

وأكد القيادي في الحركة أن أي اتفاق يجب أن يتضمن أيضاً عودة جميع النازحين إلى مناطقهم، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية دون أي قيود إسرائيلية، إلى جانب صفقة تبادل أسرى عادلة تشمل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين مقابل الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة.

تحذيرات من "عرقلة إسرائيلية ممنهجة"

برهوم اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ«محاولة متعمدة لإفشال المفاوضات كما أفشل كل الجولات السابقة»، معتبراً أن تل أبيب تستخدم الورقة الإنسانية والميدانية للضغط على المفاوضين الفلسطينيين.

وأشار إلى أن الاحتلال يواصل عملياته العسكرية في بعض مناطق القطاع، ويمنع إدخال الوقود والمعدات الطبية رغم الوساطات المستمرة، ما يعكس – بحسب قوله – "نية إسرائيل في إدامة الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية على حساب الدم الفلسطيني".

وأضاف برهوم أن «حماس» قدمت مقترحات مرنة خلال المفاوضات السابقة، تضمنت ضمانات أمنية للطرفين، وخططاً زمنية محددة لوقف النار، إلا أن الجانب الإسرائيلي رفض الالتزام بأي جدول واضح للانسحاب، ما جعل التوصل لاتفاق نهائي صعباً حتى الآن.

انضمام واشنطن: المرحلة الأخطر في المفاوضات

وفي تطور لافت، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، نقلًا عن وزير الخارجية بدر عبد العاطي، أن الولايات المتحدة ستنضم رسميًا إلى جلسات التفاوض يوم الأربعاء في شرم الشيخ.

وأوضح عبد العاطي أن هذه المشاركة تأتي في إطار خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي تتضمن 20 بنداً رئيسياً لوقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق عملية تفاوضية متعددة المراحل تبدأ بصفقة تبادل للأسرى وتنتهي بإعادة الإعمار وإقامة سلطة مدنية محلية تشرف عليها الأمم المتحدة بالتعاون مع مصر وقطر والاتحاد الأوروبي.

الخطة الأميركية... وموقف نتنياهو المتشدد

تُعد خطة ترمب – التي أعيد إحياؤها مؤخرًا بعد عامين من تجميدها – أكثر المقترحات تفصيلاً منذ بدء الحرب، إذ تتحدث عن هدنة إنسانية لمدة 90 يومًا، يليها انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي من شمال ووسط القطاع، وإطلاق سراح أسرى الجانبين بإشراف لجنة دولية.

لكن، وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية، فقد وجّه نتنياهو أوامر صريحة لوفده المفاوض بـعدم تجاوز بنود خطة ترمب وعدم مناقشة أي قضايا خارجها، بما في ذلك قضايا الإعمار أو مستقبل الحكم في غزة، وهو ما فُسّر على أنه مناورة إسرائيلية لتقييد المفاوضات ضمن سقف منخفض، يضمن استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية حتى بعد التهدئة.

وأضافت تلك التقارير أن نتنياهو هدّد باستئناف العمليات العسكرية خلال أيام قليلة «إذا لم يتحقق تقدم ملموس في المفاوضات»، وهو ما يُنظر إليه كرسالة ضغط مزدوجة على «حماس» والمصريين على حد سواء.

الدور المصري: بين الوساطة والضمانات

تتحرك القاهرة بين خيوط دقيقة في هذه الأزمة المعقدة. فبينما تعمل على تثبيت وقف إطلاق النار وتوفير ممرات إنسانية آمنة، تواجه ضغوطاً من الطرفين: إسرائيل التي تصر على "الضمانات الأمنية"، و«حماس» التي تطالب بوقف كامل للحصار وفتح المعابر.

وقد أوضح مصدر مصري رفيع أن الوفد الأمني المصري قدّم مقترحاً وسطاً يتضمن:

وقفاً متبادلاً لإطلاق النار لمدة 60 يوماً قابلة للتجديد.

انسحاباً جزئياً للجيش الإسرائيلي من مناطق محددة.

بدءاً فورياً لإدخال المساعدات والوقود عبر معبر رفح بإشراف الأمم المتحدة.

تشكيل لجنة مشتركة مصرية – فلسطينية – أممية لمتابعة تنفيذ البنود ميدانياً.

وبحسب المصدر، فإن القاهرة ترى أن إشراك واشنطن والاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة سيمنح الاتفاق ثقلاً سياسياً وضمانات تنفيذ أقوى، خصوصاً في ظل غياب الثقة المتبادلة بين تل أبيب وغزة.

غزة تختنق

ميدانياً، ما زال الوضع الإنساني في غزة كارثياً. تشير التقارير إلى أن أكثر من 34 ألف شهيد سقطوا منذ بدء الحرب، بينهم آلاف الأطفال والنساء، فيما يعاني القطاع من انقطاع شبه كامل للكهرباء والمياه، ونقص حاد في الأدوية والمواد الغذائية.

النازحون – الذين يقدر عددهم بأكثر من 1.7 مليون – يعيشون في ظروف قاسية داخل المدارس والمستشفيات المدمرة، في حين تتحدث منظمات الإغاثة عن مجاعة جزئية في بعض مناطق الجنوب.

ويقول مسؤول في وكالة «الأونروا» إن استمرار الحصار ورفض إسرائيل السماح بدخول المواد الإنشائية والوقود يجعل من «أي حديث عن إعمار أو عودة النازحين مجرد أمنية بعيدة المدى».

الموقف الإقليمي والدولي

إقليمياً، أبدت كل من قطر وتركيا وإيران دعمها لمطالب «حماس» بوقف دائم للحرب، معتبرة أن أي تسوية لا تشمل انسحاباً كاملاً ورفع الحصار ستكون «هدنة شكلية».

أما على الصعيد الدولي، فقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى «وقف فوري للأعمال القتالية»، مؤكداً أن ما يجري في غزة «كارثة إنسانية غير مسبوقة». في المقابل، ما تزال الولايات المتحدة توازن بين دعم إسرائيل سياسياً ومحاولة منع انفجار إنساني أكبر في القطاع.

مفترق طرق سياسي

يرى مراقبون أن دخول الولايات المتحدة رسميًا إلى المفاوضات يمثل المرحلة الأهم والأكثر حساسية منذ بدء الوساطة المصرية. فبينما تريد واشنطن تحقيق إنجاز سياسي للرئيس ترمب قبل الانتخابات، يسعى نتنياهو إلى الحفاظ على تماسك حكومته اليمينية، في حين تحاول «حماس» الخروج من الحرب باعتراف سياسي وشرعية جديدة داخل المشهد الفلسطيني.

المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف قال لـ«الشرق الأوسط» إن المفاوضات الحالية «لن تنجح ما لم تتوافر ضمانات دولية حقيقية لوقف العدوان وانسحاب الاحتلال»، مؤكداً أن إسرائيل «تستخدم الوقت لتثبيت وقائع جديدة على الأرض».

وأضاف أن «حماس اليوم تفاوض من موقع صمود، وليس من موقع ضعف، بعد أن فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها الميدانية»، محذراً من أن أي اتفاق هش «سيعيد الحرب خلال أشهر قليلة».

بين الأمل والريبة

مع اقتراب الجولة الحالية من المفاوضات من نهايتها، يبقى السؤال الأساسي: هل ستنجح الوساطة المصرية – الأميركية في فرض هدنة دائمة تنهي أكثر الحروب دموية في تاريخ غزة؟

حتى اللحظة، لا شيء محسوم. لكن المؤشرات الأولية توحي بأن الأطراف جميعها – رغم تصلب مواقفها – بدأت تدرك أن استمرار الحرب يعني انهياراً كاملاً للوضع الإنساني، وانفجاراً إقليمياً لا يمكن السيطرة عليه.

وفي الوقت الذي يعلن فيه فوزي برهوم أن «حماس مستعدة لتقديم التنازلات الممكنة مقابل وقف العدوان»، تتواصل الغارات على غزة، ويتواصل نزيف المدنيين، فيما تترقب المنطقة لحظة الحقيقة التي قد تحدد مستقبل الحرب والسلام في الشرق الأوسط لعقود قادمة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 6