في صباحٍ مفعمٍ بالحزن، ودّعت مصر اليوم أحد أبرز أعلامها الدينية والفكرية، الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، الذي رحل عن عالمنا بعد مسيرةٍ علميةٍ حافلة بالعطاء امتدت لأكثر من ستة عقود، تاركًا وراءه إرثًا من العلم والمواقف الدعوية التي طبعت وجدان المصريين والعالم الإسلامي.
رثاء رئاسي... تقدير لعالمٍ جمع بين الدين والوطن
الرئيس عبد الفتاح السيسي نعى الفقيد بكلماتٍ حملت مزيجًا من الأسى والاحترام، قائلاً:
"تلقيت ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة العالِم الجليل والداعية الكبير، الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم، الذي وافته المنية بعد رحلة زاخرة بالعطاء في خدمة الدين والعلم."
وأضاف الرئيس أن "علمه الغزير سيظل باقيًا وراسخًا على مر الزمان"، مؤكدًا أن ما تركه الراحل من فكرٍ مستنير ودعوةٍ إلى الاعتدال سيمتد أثره في أجيالٍ من طلابه ومريديه. كما تقدّم السيسي بخالص التعازي إلى أسرته وذويه وتلاميذه، داعيًا الله أن يتغمّده بواسع رحمته.
من أصول الدين إلى قمة الأزهر... مسيرة علمية عنوانها الوسطية
وُلد الدكتور أحمد عمر هاشم في 6 فبراير 1941 بمحافظة الشرقية، وتخرّج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1961، ليبدأ مسيرته الأكاديمية بعد نيله الإجازة العالمية في الحديث عام 1967.
نال الماجستير في علوم الحديث عام 1969، ثم الدكتوراه في التخصص ذاته، قبل أن يتدرج في المناصب حتى أصبح أستاذًا لعلوم الحديث عام 1983، ثم عميدًا لكلية أصول الدين بالزقازيق عام 1987، إلى أن تولّى رئاسة جامعة الأزهر عام 1995، وهو المنصب الذي شكّل ذروة عطائه الأكاديمي والإداري.
عرف عن الراحل دفاعه الشرس عن رسالة الأزهر ووسطيته، وحرصه على إبراز الإسلام كدينٍ للتسامح والرحمة، وكان من أبرز الأصوات التي نادت بالحوار بين الأديان وبضرورة تجديد الخطاب الديني بعيدًا عن الغلوّ والتشدد.
وجوه السياسة والإعلام... حضور وتأثير خارج أسوار الجامعة
لم يكن الدكتور أحمد عمر هاشم مجرد أستاذ جامعي، بل مثّل نموذجًا للعالم الذي يخوض ميادين الفكر والسياسة دون أن يتنازل عن ثوابته. فقد عُيّن عضوًا في مجلس الشعب بقرار من الرئيس الأسبق حسني مبارك، وشارك في المكتب السياسي للحزب الوطني الديمقراطي، كما تولّى عضوية مجلس الشورى ومجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى رئاسته لجنة البرامج الدينية بالتلفزيون المصري، حيث لعب دورًا بارزًا في إثراء الخطاب الديني في الإعلام الرسمي.
رمزٌ للأزهر... ووجهٌ مألوف للمصريين
كان أحمد عمر هاشم حاضرًا في وجدان المصريين بصوته الهادئ وخطبه المؤثرة، خاصة في المناسبات الدينية الكبرى، حيث جمع بين عمق العلم وسلاسة الخطاب، واستطاع أن يقرّب مفاهيم العقيدة والشريعة إلى عامة الناس بلغةٍ بسيطةٍ ومحببة.
ولطالما دافع عن الأزهر باعتباره الدرع الحصين لهوية الأمة، مؤكّدًا أن "الأزهر ليس مؤسسةً علمية فحسب، بل هو صمام أمانٍ للأمة من الفكر المتطرف والانحرافات الفكرية".
وداع الأزهر... وصدى الرحيل
من المقرّر أن يُشيّع جثمان الفقيد من الجامع الأزهر الشريف، وسط حضور رسمي وشعبي واسع، تقديرًا لعالمٍ كرّس حياته لخدمة العلم والدعوة.
وفي الأروقة الأزهرية، يسود الحزن والامتنان معًا: الحزن لفقد قامةٍ علمية نادرة، والامتنان لما تركه من تراثٍ علمي وسيرةٍ ستظل مضرب المثل في الإخلاص والاعتدال.
برحيل الدكتور أحمد عمر هاشم، تخسر مصر أحد رموزها الدينية التي جمعت بين الأصالة والتجديد، وبين العلم والموقف، ليبقى صوته شاهدًا على زمنٍ كانت فيه الكلمة الطيبة والعقل المستنير سلاح العلماء في مواجهة الجهل والتطرف.