من طوفان الأقصى إلى خطة ترامب لغزة.. فرصة سلام أم هندسة جديدة للمنطقة؟

أماني إبراهيم

2025.10.07 - 04:50
Facebook Share
طباعة

بينما تمر الذكرى الثانية لعملية “طوفان الأقصى”، أعاد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو طرح ما وصفه بـ“الفرصة التاريخية” لإنهاء الصراع في غزة، مستندًا إلى خطة الرئيس دونالد ترامب ذات العشرين بندًا، والتي يقول إنها “تغلق الفصل المظلم” من تاريخ الشرق الأوسط.
لكن خلف هذا الخطاب التفاؤلي، تتقاطع أجندات سياسية وأمنية معقدة، وتطفو على السطح تساؤلات حول ما إذا كانت الخطة تمثل مسارًا نحو تسوية عادلة أم بداية مرحلة جديدة من الوصاية على غزة والمنطقة.

 

ملامح الخطة الأمريكية

تقوم خطة ترامب – وفق ما تسرب حتى الآن – على ثلاث ركائز أساسية:

1. تبادل متزامن للأسرى والرهائن، بحيث تطلق "حماس" جميع المحتجزين لديها، مقابل إفراج إسرائيل عن مئات السجناء الفلسطينيين.


2. إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي، بانسحاب تدريجي من قطاع غزة إلى “خطوط متفق عليها” في إطار جدول زمني تشرف عليه واشنطن والقاهرة والدوحة.


3. تأسيس إدارة مدنية انتقالية في القطاع، تتولى تسيير شؤون السكان إلى حين التوصل إلى صيغة نهائية للحكم، وهو البند الأكثر إثارة للجدل إذ يُنظر إليه كمقدمة لإدارة وصاية متعددة الأطراف تحت إشراف دولي.

 

ورغم أن روبيو وصف الخطة بأنها “أساس للسلام والأمن الدائمين”، إلا أن بنودها لا تتحدث عن رفع الحصار أو إعادة إعمار شاملة، بل تركز على “الاستقرار الأمني” كأولوية.

 

مفاوضات شرم الشيخ.. الميدان الحقيقي للاختبار

تستضيف مدينة شرم الشيخ المصرية جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين وفدي "حماس" وإسرائيل، بحضور وسطاء من الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الخلافات الجوهرية ما زالت تدور حول آلية الانسحاب الإسرائيلي، وهوية الجهة التي ستدير القطاع، وضمانات وقف النار الدائم.

مصادر قريبة من المفاوضات تؤكد أن الوفد الأمريكي يسعى لتمرير صيغة “تجميد الصراع”، لا “إنهائه”، عبر تثبيت الوضع الراهن مع إدخال تعديلات تجميلية، وهو ما تعتبره المقاومة الفلسطينية “فخًا سياسيًا” لإعادة إنتاج السيطرة الإسرائيلية بوسائل مدنية.


من طوفان الأقصى إلى هندسة غزة

تأتي خطة ترامب في سياق أوسع من التحركات الأمريكية الهادفة لإعادة رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط. فمنذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة كبح التمدد الإيراني عبر تسويات جزئية في الساحة الفلسطينية.
لكن الخطة الجديدة تبدو امتدادًا لـ"صفقة القرن" التي طرحها ترامب سابقًا، إذ تعيد ترتيب أولويات الحل الفلسطيني بعيدًا عن مسألة الاحتلال وحق تقرير المصير، لصالح مقاربة “الأمن أولاً”.

ويصف مراقبون هذه الرؤية بأنها محاولة لإخراج غزة من المعادلة السياسية الفلسطينية، عبر تحويلها إلى كيان شبه مستقل خاضع لإشراف أمني دولي، ما يعني – عمليًا – فصلها عن الضفة الغربية، ودفن مشروع الدولة الفلسطينية الموحدة.

 


الموقف الإسرائيلي

في تل أبيب، تتعامل حكومة اليمين مع الخطة الأمريكية بحذر محسوب. فبينما ترى فيها وسيلة لتخفيف الضغط الدولي وإنهاء عبء الاحتلال المباشر للقطاع، تخشى أن تفرض عليها التزامات أمنية معقدة وتفتح الباب أمام وجود أمني تركي أو قطري قرب حدودها.
مصادر إسرائيلية قالت لصحف عبرية إن نتنياهو “لن يقبل بأي تسوية تُبقي لحماس حضورًا سياسيًا أو عسكريًا”، وأن الجيش الإسرائيلي سيحتفظ بـ“حق الضرب الاستباقي” في أي وقت.

 


الموقف الفلسطيني والعربي

في المقابل، ترفض الفصائل الفلسطينية أي خطة لا تضمن انسحابًا كاملاً ورفعًا شاملًا للحصار، وتعتبر الحديث عن إدارة انتقالية “غطاء لاحتلال ناعم”.
السلطة الفلسطينية من جهتها تنظر إلى التحركات الأمريكية بعين القلق، إذ تخشى أن تُتجاوز في أي ترتيبات تخص مستقبل غزة، في حين تتمسك القاهرة بدورها كضامن رئيسي لأي اتفاق، وترفض المساس بالسيادة الفلسطينية أو تفكيك وحدة الأراضي.

أما الموقف العربي العام فيبدو منقسمًا بين مؤيد للانخراط في “العملية السياسية الجديدة” بدعوى وقف الحرب، ومعارض يراها مشروعًا لتكريس التجزئة الفلسطينية.

 


بين تفاؤل واشنطن وتحفظ تل أبيب ورفض المقاومة، تبدو خطة ترامب أمام اختبار صعب في شرم الشيخ. فإما أن تشكل منعطفًا نحو تسوية شاملة تعيد رسم المشهد الفلسطيني، أو تتحول إلى نسخة جديدة من “صفقة القرن” تحت عنوان إنساني.
وفي كل الأحوال، فإن الحديث عن “إغلاق الفصل المظلم” يظل سابقًا لأوانه، طالما أن جذور الصراع – الاحتلال والاستيطان وحق العودة – لم تُمسّ بعد. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 4