في تطورٍ ميداني يُنذر باتساع رقعة المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم الاثنين، عن تنفيذ سلسلة غارات جوية على معسكرات يُعتقد أنها تابعة لوحدة الرضوان، الجناح النخبوي في حزب الله اللبناني، وذلك في منطقة البقاع شرق لبنان — في خطوة تُعدّ من أوسع عمليات القصف داخل العمق اللبناني منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي:
“أغار جيش الدفاع قبل قليل على عدة أهداف لحزب الله في منطقة البقاع، من بينها معسكرات تابعة لوحدة قوة الرضوان، والتي تم رصد عناصر من حزب الله داخلها.”
وأضاف البيان أن “المعسكرات المستهدفة كانت تُستخدم لإجراء تدريبات وتأهيلات لعناصر الحزب، بهدف التخطيط وتنفيذ عمليات ضد قوات جيش الدفاع ومواطني إسرائيل.”
وأكد المتحدث العسكري أن “العناصر في هذه المعسكرات يخضعون لتدريبات تشمل إطلاق نار حي واستخدام أسلحة متنوعة”، مشيرًا إلى أن “الجيش سيواصل العمل لإزالة أي تهديد على دولة إسرائيل.”
من الجنوب إلى الشرق... خريطة جديدة للمواجهة
توسّع إسرائيل نطاق عملياتها اليوم إلى منطقة البقاع الشرقي — وهي منطقة جبلية تبعد عشرات الكيلومترات عن الحدود الجنوبية — يُعتبر تحوّلًا استراتيجيًا في أسلوب التعامل الإسرائيلي مع حزب الله.
فبعد أسابيع من تبادل القصف عبر الخط الحدودي، يبدو أن تل أبيب قررت نقل المعركة إلى عمق الأراضي اللبنانية، لتوجيه رسالة مزدوجة إلى الحزب وإلى بيروت معًا بأن “كل لبنان بات ساحة مستهدفة” إذا استمر التصعيد.
ويرى مراقبون أن ضرب البقاع تحديدًا يحمل دلالات رمزية، لأن هذه المنطقة تُعد العمق اللوجستي لحزب الله، حيث تقع فيها مستودعات الأسلحة ومراكز التدريب وممرات الإمداد القادمة من سوريا.
وبحسب مصادر لبنانية ميدانية، فإن الانفجارات التي وقعت في ساعات الصباح الأولى كانت “شديدة جدًا”، وسمع دويها في مدينة بعلبك وعدة قرى محيطة.
“وحدة الرضوان”... ذراع الهجوم الخاصة لحزب الله
تشير المعطيات الاستخبارية الإسرائيلية منذ سنوات إلى أن “وحدة الرضوان” — التي أسسها القائد الراحل عماد مغنية — تُعتبر القوة الأكثر خطورة داخل حزب الله.
تضم هذه الوحدة نخبة المقاتلين المدربين على حرب المدن والتسلل والعمليات الخاصة، وقد لعبت دورًا بارزًا في الحرب السورية إلى جانب الجيش السوري، حيث اكتسبت خبرات كبيرة في القتال داخل بيئات معقدة.
وفق تقديرات إسرائيلية، يبلغ عدد عناصر الوحدة ما بين 5 إلى 10 آلاف مقاتل، يتوزعون على سرايا خاصة قادرة على تنفيذ عمليات توغل في الجليل في حال اندلاع حرب شاملة.
وتتهم إسرائيل الحزب باستخدام معسكرات في سهل البقاع كقواعد تدريب وتحضير لسيناريوهات هجومية على الشمال الإسرائيلي، بما في ذلك محاولات خطف جنود أو اقتحام مستوطنات قريبة من الحدود.
استهداف مزدوج في يوم واحد
وجاء القصف الجوي على البقاع بعد ساعات قليلة من هجوم بطائرة مسيّرة إسرائيلية استهدفت سيارة جنوب لبنان، مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة ثالث بجروح بالغة، وفق ما أفادت به وسائل إعلام لبنانية.
ويعتقد أن المستهدفين ينتمون أيضًا إلى حزب الله أو إلى أحد الفصائل المتحالفة معه في الجنوب اللبناني.
ويُظهر هذا التزامن بين الغارتين — في الجنوب والشرق — أن إسرائيل تعتمد استراتيجية “التوزيع الناري”، أي استهداف مواقع متباعدة لإرباك الحزب ومنع تركيز الدفاعات أو الردود الموضعية.
رسائل تل أبيب... "التفاهمات لم تعد قائمة"
الجيش الإسرائيلي برّر هجماته بالقول إن “تخزين الوسائل القتالية وإجراء تدريبات عسكرية ضد دولة إسرائيل يُعد انتهاكًا فاضحًا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان”.
ويقصد بذلك التفاهمات غير المعلنة التي أُبرمت عقب حرب يوليو 2006 برعاية الأمم المتحدة، والتي نصّت ضمنيًا على منع حزب الله من التمركز العسكري جنوب نهر الليطاني.
لكن إسرائيل — التي تقول إن الحزب تجاوز تلك الحدود منذ أشهر — تستخدم هذه “الذريعة القانونية” اليوم لتبرير توسيع بنك أهدافها ليشمل كامل الأراضي اللبنانية، تحت شعار “إزالة التهديد من أي مكان”.
وبذلك، تكون تل أبيب قد أسقطت فعليًا القيود التي فرضها القرار الدولي 1701، الذي كان حتى وقت قريب يُعتبر الخط الأحمر بين الحرب المحدودة والانفجار الشامل.
ردود الفعل اللبنانية: صمت رسمي وغضب شعبي
حتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة اللبنانية على القصف، لكن مصادر سياسية في بيروت اعتبرت أن “استهداف العمق اللبناني هو تطور خطير يعيد شبح الحرب الشاملة إلى الواجهة”.
في المقابل، تحدثت أوساط قريبة من حزب الله عن أن “العدو سيفاجأ بردّ مدروس في المكان والزمان المناسبين”، مشيرة إلى أن الحزب لن يسمح لإسرائيل بفرض معادلات جديدة أو توسيع دائرة الاشتباك دون ثمن.
وتداولت وسائل إعلام لبنانية أن طائرات استطلاع إسرائيلية حلّقت على علو منخفض فوق مناطق البقاع خلال ساعات الليل الماضية، في تحركات وصفت بأنها “استفزازية ومتعمدة”.
السيناريوهات المقبلة: نحو مواجهة محسوبة أم حرب مفتوحة؟
يرى المحللون أن إسرائيل تستخدم الغارات على البقاع كاختبار لمدى ضبط حزب الله نفسه، في ظل انشغالها المستمر في جبهة غزة والضغوط الداخلية المتزايدة.
فهي تريد من جهة إظهار قدرتها على ضرب العمق اللبناني دون رد كبير، ومن جهة أخرى إرسال تحذير مبكر بأن أي تحرك من "وحدة الرضوان" سيُقابل بردّ قاسٍ.
لكنّ مراقبين في بيروت يحذرون من أن الردود المتراكمة قد تشعل مواجهة لا يمكن السيطرة عليها، خاصة إذا سقط عدد كبير من القتلى في صفوف حزب الله أو المدنيين.
فمنذ مطلع العام، نفذت إسرائيل أكثر من 250 غارة وهجومًا صاروخيًا ومسيرًا داخل الأراضي اللبنانية، معظمها استهدف الجنوب، إلا أن نقل المعركة إلى البقاع يُعد قفزة نوعية في قواعد الاشتباك.
البقاع يدخل معادلة النار
بهذا التصعيد الجديد، تكون إسرائيل قد فتحت جبهة موازية للجنوب في محاولة لتوسيع الضغط العسكري على حزب الله، وإرسال رسائل ردع داخلية وخارجية في وقتٍ واحد.
لكن ما جرى اليوم يؤكد أن حدود لبنان لم تعد خطوطًا حمراء، وأن العمق بات مكشوفًا في مواجهةٍ مفتوحة لا تخلو من الرسائل الانتخابية والسياسية أيضًا، خصوصًا مع تزايد الحديث في تل أبيب عن اقتراب ساعة الحسم ضد الحزب.
ومع كل غارة، يزداد الاقتناع بأن المنطقة تقف على حافة انفجار شامل — انفجار قد يبدأ من البقاع أو من الجنوب، لكنه بالتأكيد لن يتوقف عند حدود لبنان وحده.