تظل قضية الديون المسجلة على الدولة لدى مصرف لبنان، والتي تبلغ حوالى 16.5 مليار دولار، واحدة من أكثر الملفات تعقيداً بين لبنان وصندوق النقد الدولي، على الرغم من ميل الدولة إلى الاعتراف بهذا الدين، خصوصًا أنها تدرك كيفية استخدام الأموال التي مرت عبر المصرف المركزي، أصرّ الصندوق على موقفه الرافض للاعتراف بهذا الدين، مما أثار حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، الذي سبق وأن درس القضية وأكد قانونيتها، ودافع عن حق المصرف بكل الوسائل المتاحة.
سعى سعيد لإقناع إدارة الصندوق بنقطتين أساسيتين: أولًا، قانونية الدين وعدم وجود أي التباس بشأن ظهوره في ميزانيات المصرف. ثانيًا، المصلحة المشتركة بين الدولة والمصرف المركزي والصندوق في الاعتراف بالدين، خصوصًا أن شطبه سيعقد مفاوضات الدولة مع حملة اليوروبوندز، إذ ستصبح الدولة في موقف أضعف لدفع مستحقات المقرضين، بينما الاعتراف بالدين يحمي الدولة والمصرف المركزي والمودعين من أي خلل في التزاماتهم المالية.
رغم محاولات سعيد، تمسّك الصندوق بموقفه، مما أثار تساؤلات حول دوافع هذا الرفض، لا سيما أنه لم يمانع في مساهمة الدولة في رسملة المصرف بمبلغ 5 مليارات دولار. وبعد جدل طويل، تم التوافق على تعيين مدقق حسابات دولي لفحص حساب الدولة رقم 36 وتحويلات اليوروبوندز، بهدف تحديد ما إذا كانت الدولة قد سحبت الأموال بشكل قانوني، وما إذا كان يجب احتسابها بالدولار أو تحويلها إلى الليرة اللبنانية. يُنظر إلى المدقق على أنه وسيط دولي بين الدولة والمصرف المركزي، وسيكون تقريره حاسمًا لتوضيح التزامات الطرفين.
في نهاية المطاف، هدف مصرف لبنان هو الحفاظ على موازنة مالية متوازنة والقدرة على دفع التزامات المصارف ومن المتوقع أن تفرض هذه المعادلة على الدولة تنفيذ التزاماتها تجاه المركزي، سواء عبر دفع الدين أو تطبيق المادة 113 من قانون النقد والتسليف. إدارة المصرف المركزي تصرّ على أن يظل الصندوق بعيدًا عن التدخل بين المصرف المركزي والبنوك التجارية، مؤكدة أن هذا الانفصال ضروري للحفاظ على استقرار النظام المالي اللبناني ومنع أي تأثير خارجي يعرقل قدرة المصرف على حماية المودعين وضمان استمرار العمليات المصرفية بشكل سليم.