غادر وفد إسرائيلي رفيع المستوى إلى مدينة شرم الشيخ المصرية لبدء مفاوضات تنفيذ الخطة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والرامية إلى وقف الحرب في قطاع غزة بعد عامين من التصعيد الدامي. وتأتي الخطوة وسط أجواء مشحونة إقليميًا، وتزامنٍ رمزيّ لافت مع الذكرى الثانية والخمسين لحرب أكتوبر التي لا تزال تلقي بظلالها على الوعيين المصري والإسرائيلي معًا.
ووفق ما نشره موقع Ynet العبري، يضم الوفد الإسرائيلي كلًا من غال هيرش منسّق شؤون الأسرى والمفقودين، ومسؤولين من جهازي الشاباك والموساد، إضافة إلى فرق عمل تقنية، في حين وصل وفد حركة حماس إلى القاهرة مساء الأحد برئاسة القيادي خليل الحية.
خطة ترامب: 20 بندًا وتهديد بالدمار الكامل
الخطة الأمريكية، التي كشف عنها ترامب في 29 سبتمبر 2025، تتضمن 20 بندًا رئيسيًا، أبرزها وقف إطلاق النار خلال 72 ساعة، وإطلاق سراح الرهائن، ثم تسليم إدارة قطاع غزة إلى سلطة تكنوقراطية فلسطينية تعمل تحت إشراف هيئة دولية يقودها ترامب نفسه.
وحدد الرئيس الأمريكي 5 أكتوبر كمهلة نهائية لقبول الخطة، ملوّحًا بـ"الدمار الكامل" في حال الرفض.
وفي 3 أكتوبر، أبدت حركة حماس استعدادها لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين – أحياءً وأمواتًا – وتسليم إدارة غزة إلى لجنة فلسطينية مستقلة، لكنها رفضت نزع سلاحها أو التخلي عن دورها في المقاومة، وهو ما أثار تحفظات إسرائيلية ودفع واشنطن إلى تكثيف ضغوطها على الطرفين.
الانسحاب على “الخط الأصفر”
في 4 أكتوبر، أعلن ترامب أن إسرائيل وافقت على ما سماه "الخط الأصفر" للانسحاب من بعض مناطق القطاع، معتبرًا ذلك "الخطوة الأولى في طريق السلام"، فيما نقلت مصادر عبرية أن نتنياهو وافق مبدئيًا على البدء بالتطبيق الجزئي، بشرط استعادة جميع الأسرى أولًا وضمان تفكيك البنية العسكرية لحماس لاحقًا.
لكن داخل إسرائيل، تتصاعد الانقسامات السياسية حول الخطة، إذ يعتبرها بعض قادة اليمين "خضوعًا مهينًا" لإملاءات واشنطن، بينما يراها آخرون "فرصة أخيرة" لإنهاء حرب استنزفت الجيش والاقتصاد والمجتمع.
رمزية التوقيت المصري: السياسة في ظل النصر
اللافت أن المفاوضات تجري في شرم الشيخ في السادس من أكتوبر، اليوم الذي يستعيد فيه المصريون ذكرى عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف عام 1973.
وقد وصفت الصحف الإسرائيلية هذا التزامن بأنه "سخرية تاريخية" من جانب القاهرة، معتبرة أن مصر اختارت بعناية يومًا يرمز لهزيمة إسرائيل الأولى لتبدأ على أرضها مباحثات عن هزيمة جديدة في غزة.
وسخر مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي من الوفد الإسرائيلي الذي "يُستدعى إلى سيناء في يوم النصر"، واعتبروا أن حضورهم في شرم الشيخ في هذا التوقيت هو صفعة رمزية جديدة للغرور الإسرائيلي، ورسالة بأن تاريخ الهزيمة لا يُمحى مهما تغيّرت المعارك.
شرم الشيخ من جديد... بين واشنطن وغزة
تجري المفاوضات بوساطة مصرية وقطرية، وبمشاركة فريق أمريكي يضم جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، في محاولة لإنقاذ خطة ترامب من الفشل المبكر.
لكن مصادر مصرية تؤكد أن القاهرة تتعامل بحذر بالغ، خصوصًا في ظل خشيتها من مفاجآت إسرائيلية تتعلق بملف الانسحاب أو قضية سلاح المقاومة، حيث تسعى مصر إلى تسريع المصالحة الفلسطينية الداخلية لتفادي أي ذريعة إسرائيلية للمماطلة.
قراءة ختامية
تحمل مفاوضات شرم الشيخ رمزية تتجاوز السياسة؛ فبينما تتحدث واشنطن عن "خطة سلام"، يقرأ المصريون والعرب المشهد على أنه فصل جديد من الصراع الرمزي بين المنتصر في أكتوبر والمأزوم في غزة.
وفيما يسعى ترامب لاستثمار الملف الفلسطيني في سباقه نحو جائزة نوبل للسلام، تبدو إسرائيل عالقة بين ضغوط البيت الأبيض وعقدة الهزيمة التاريخية التي تتجدد في كل السادس من أكتوبر.