أثار القرار المفاجئ للرئيس السوري أحمد الشرع بإلغاء العطلة الرسمية الخاصة بذكرى حرب تشرين (أكتوبر) 1973 عاصفة من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية المصرية والعربية، حيث اعتبره مراقبون محاولة خطيرة لمحو رمزية الانتصار العربي المشترك على الاحتلال الإسرائيلي، فيما رأى آخرون أنه إعادة صياغة للتاريخ على مقاس النظام الجديد في دمشق.
قرار صادم وتوقيت مريب
يأتي قرار الشرع بعد أسابيع من تحركات دبلوماسية سورية مثيرة للجدل باتجاه قنوات تواصل غير مباشرة مع تل أبيب، ما زاد الشكوك حول خلفيات القرار ودلالاته السياسية.
ويرى متابعون أن توقيت إلغاء إجازة 6 أكتوبر ليس بريئًا، خاصة أنه تزامن مع احتفالات مصر الرسمية بذكرى النصر، حيث ظهر الرئيس المصري واضعًا إكليل الزهور على قبر الجندي المجهول، في تقليد راسخ منذ نصف قرن.
ويؤكد محللون مصريون أن الخطوة السورية تمثّل تحدّيًا صريحًا للوجدان العربي المشترك، وإساءة لرمزٍ وطنيٍّ جمع العرب في لحظة وحدة نادرة، حين قاتل الجندان المصري والسوري كتفًا إلى كتف على جبهتي سيناء والجولان.
انتقادات حادة من القاهرة: "جريمة ضد التاريخ"
في أول رد مصري رسمي غير مباشر، وصف الشيخ سعد الفقي، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، القرار بأنه "جريمة مكتملة الأركان ضد الذاكرة القومية".
وقال الفقي في تصريح خاص لـRT:
"تاريخ الأمم لا يُمحى بتوقيع حاكم أو بمرسوم رئاسي. حرب تشرين ليست ملك نظامٍ أو رئيسٍ بعينه، بل هي صفحة من صفحات الشرف العربي، لا يجوز إلغاؤها بقرار سياسي عابر."
وأشار الفقي إلى أن الخطوة تمثل "ارتماءً في أحضان الصهاينة" ومحاولة "لتحقيق اعتراف غير مباشر بإسرائيل في وجدان السوريين"، داعيًا الدول العربية والإسلامية إلى إدانة القرار رسميًا.
باحث مصري: الأسد لم ينتصر في حرب أكتوبر
على الجانب الآخر، ذهب الباحث العسكري المصري أحمد زايد، مؤسس "المجموعة 73 مؤرخين"، إلى أبعد من ذلك، معتبرًا أن القيادة السورية في عهد حافظ الأسد تتحمل مسؤولية الفشل على الجبهة الشمالية عام 1973.
وقال زايد في تصريحات حادة:
"الجيش السوري قاتل بشرف، لكن قيادته خانت المعركة. تمّ تغيير خطة الضربة الجوية قبل دقائق، وأُلغي قصف المطارات الإسرائيلية العميقة، كما أُوقف التقدم المفاجئ على بعد كيلومترات من الجولان دون مبرر."
وأضاف زايد أن "انسحاب القوات السورية لاحقًا فتح الطريق أمام الجيش الإسرائيلي حتى مشارف دمشق، ولولا الفيلق العراقي والقوات المغربية، لسقطت العاصمة خلال أيام"، مشيرًا إلى أن “الأسد الأب تلقى أموالًا مقابل تسليم الجولان في 1967”.
إعلاميون مصريون: "التاريخ لا يُمحى بقرارات"
الإعلامية مها الحديدي عبّرت عن استغرابها الشديد من القرار، وكتبت عبر حسابها:
"سوريا التي شاركت في نصر أكتوبر تلغي العطلة الوطنية، وكأنها تنفي دورها التاريخي في الحرب ضد العدو الإسرائيلي الذي لا يزال يحتل الجولان وجبل الشيخ!"
وأضافت الحديدي:
"ربما تكون خيارات النظام الجديد مختلفة، لكن التاريخ لا يُمحى بمرسوم. فدماء الشهداء التي سالت على أرض الجولان لا تلغيها توقيعات الشرع، كما لا تُنسى بطولات الجيش السوري الذي قاتل جنبًا إلى جنب مع الجيش المصري."
وختمت بلهجة وطنية:
"في مصر، هذا يوم النصر والعبور، وسيبقى كذلك. وسنظل نعلّم أبناءنا أن هذا هو العدو، وأن 6 أكتوبر رمز للتحرير والعزة، مهما حاول البعض تشويه الذاكرة."
نشأت الديهي: "سوريا الشرع تتبنّى الرواية الإسرائيلية"
وفي برنامجه "بالورقة والقلم"، وجّه الإعلامي نشأت الديهي انتقادًا لاذعًا للنظام السوري، قائلًا:
"في الوقت الذي تحتفل فيه مصر بـ110 ملايين مواطن بذكرى العبور العظيم، يصدر الرئيس السوري مرسومًا بإلغاء العطلة وكأن النصر لم يكن... إنها نفس الرواية الإسرائيلية التي تقول إن أكتوبر لم يكن نصرًا."
وأضاف الديهي:
"من يستطيع إلغاء نصر أكتوبر، يخدم السردية الإسرائيلية. الأمور في سوريا تحزن القلب، ومن المؤلم أن نرى من يفرّط في رموز الأمة بهذا الشكل."
لماذا يثير القرار كل هذا الجدل؟
يقول مراقبون إن الخطوة السورية تتجاوز حدود "إلغاء عطلة رسمية" إلى تغيير هوية الوعي الوطني، ومحاولة فصل سوريا الحديثة عن حقبة الصراع مع إسرائيل، في سياق "تسوية سياسية إقليمية كبرى" يُعتقد أن الشرع يسعى للانخراط فيها عبر وساطات عربية وغربية.
ويحذر محللون من أن إلغاء رمزية حرب أكتوبر قد يكون مقدمة لخطوات تطبيعية علنية مع تل أبيب، خاصة أن النظام السوري الجديد يسعى لتقديم نفسه كـ"ضامن للاستقرار الإقليمي" مقابل بقائه في السلطة.
مصر: بين الوفاء للذاكرة والتحذير من العبث بالتاريخ
تتمسّك القاهرة رسميًا وشعبيًا بإحياء ذكرى نصر أكتوبر المجيد كرمز للوحدة العربية والانتصار على الاحتلال، وسط دعوات متجددة للحفاظ على إرث تلك الحرب التي أعادت للعرب كرامتهم بعد نكسة 1967.
ويرى المصريون أن أي محاولة لطمس أو إنكار ذلك النصر هي انحياز واضح للرواية الصهيونية، وتعبير عن انهيار المنظومة القومية التي قامت عليها المنطقة لعقود.
خاتمة: التاريخ لا يُلغى بقرار
في خضم هذا الجدل، تبقى الحقيقة أن حرب أكتوبر 1973 ليست مجرد ذكرى، بل فصل من فصول الوعي العربي المقاوم، كتبته دماء الشهداء على ضفتي القناة والجولان.
أما قرار الشرع، فيراه كثيرون طعنة في الذاكرة الوطنية، ومحاولة لإعادة كتابة التاريخ من منظورٍ يرضي العدو أكثر مما يُرضي الشعوب.