في يوم النصر الوفد الإسرائيلي يفاوض في ساحة الهزيمة

أماني إبراهيم

2025.10.06 - 12:52
Facebook Share
طباعة

في مشهدٍ بدا كأنه عبور رمزي جديد بعد نصف قرن على حرب أكتوبر، استيقظ الإسرائيليون على موجة سخرية جارفة انطلقت من القاهرة، بعدما كشفت صحفهم أن وفدًا إسرائيليًا رسميًا وصل إلى مصر بالتزامن مع ذكرى السادس من أكتوبر، يوم العبور والنصر المصري.
تزامنٌ لم يمر مرور الكرام؛ فبينما كانت إسرائيل تحصي خسائرها السياسية والعسكرية في غزة، كان المصريون يحيون ذكرى النصر على طريقتهم الخاصة: عبر الضحك من جديد على العدو الذي لا يتعلم الدرس.


وما بين ابتسامة عادل إمام في "رأفت الهجان" وضحكة جيل التيك توك، تظل إسرائيل الطرف الذي يخسر المعركة الرمزية، كما خسر العسكرية قبل خمسين عامًا.


الحدث الذي أشعل السخرية

ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن شبكات التواصل الاجتماعي في مصر والعالم العربي اشتعلت بالتعليقات الساخرة فور تداول خبر استضافة القاهرة وفدًا إسرائيليًا ضمن مباحثات وقف إطلاق النار في غزة، وذلك يوم 6 أكتوبر تحديدًا.
وقالت الصحيفة إن التوقيت أثار "مشاعر متناقضة" لدى الإسرائيليين الذين رأوا فيه "مفارقة قاسية"، فيما اعتبر المصريون أن “القدر نفسه هو من اختار هذا اليوم ليذكّر تل أبيب بأنها مهما فاوضت، فستظل ذكرى الهزيمة تلاحقها”.

صحيفة “إسرائيل اليوم” رأت أن “المصريين يتلذذون بالسخرية من الوفد الإسرائيلي القادم إلى أرض انتصرت عليهم عسكريًا قبل خمسين عامًا”، وأشارت إلى أن بعض النشطاء المصريين نشروا مقاطع من أفلام حرب أكتوبر ولقطات لعادل إمام مع تعليقات من نوع: “عايزينهم يشوفوا الكوبري اللي عدينا منه؟”

أما موقع واللا العبري، فكتب بمرارة: “المصريون لا ينسون، والذاكرة القومية عندهم أقوى من أي اتفاق سلام”.


حرب أكتوبر تتحول إلى “ميم” سياسي

على مواقع التواصل، كانت السخرية أداة سياسية كاملة.
صفحات مصرية تناقلت لقطات لمشاهد حرب أكتوبر، وأرفقت صور الوفد الإسرائيلي بتعليقات مثل:

“جايين يتفاوضوا في ذكرى يوم ما خدناهم على خوانة!”

“المفروض الاجتماع يبدأ الساعة 2 الظهر… ساعة الصفر!”

“كان لازم يودّوهم زيارة في قناة السويس عشان يتعلموا العبور الصح.”


تغريدة مصرية انتشرت على نطاق واسع تقول:

“الوفد الإسرائيلي في القاهرة في 6 أكتوبر... واضح إنهم لسه بيحبوا يعيشوا أجواء الهزيمة.”
التغريدة نفسها نقلتها يديعوت أحرونوت تحت عنوان: “المصريون يحولون الدبلوماسية إلى معركة ساخرة”.

 

وراء السخرية دلالات أعمق
اختيار القاهرة أن تستضيف اجتماعات بهذا المستوى في يوم النصر القومي لا يمكن فصله عن البعد الرمزي للذاكرة المصرية. فـ6 أكتوبر ليس مجرد تاريخ عسكري، بل لحظة تشكُّل وطني ما زالت تعيد تعريف العلاقة بين المصريين وإسرائيل.
التزامن لم يكن صدفة بريئة، كما يرى محللون إسرائيليون، بل رسالة تقول — ضمنيًا — إن مصر تظل صاحبة اليد العليا في معادلة الحرب والسلام على حد سواء.

صحيفة الشرق الأوسط نقلت عن دبلوماسي مصري سابق قوله إن “التوقيت ليس عبثًا، بل يعبّر عن ثقة مصر بدورها وموقعها التاريخي”، مؤكدًا أن “استضافة الوفد الإسرائيلي يوم ذكرى النصر هو تذكير بأن مصر لا تفاوض إلا من موقع المنتصر.”


إسرائيل في مأزق الصورة

في الداخل الإسرائيلي، شكّلت التغطيات المصرية والعربية عبئًا نفسيًا على الإعلام العبري.
معلق في قناة كان 11 الإسرائيلية قال:
“المصريون يحتفلون بهزيمتنا في اليوم نفسه الذي نأتي إليهم فيه لطلب المساعدة في وقف النار... إنها مفارقة قاسية.”
وأضاف آخر أن “مصر لا تحتاج إلى سلاح هذه المرة، يكفيها فيسبوك وتويتر لتكسب الحرب الرمزية.”

 

تقديرات أخرى في إسرائيل رأت أن المشهد برمّته يكشف هشاشة الموقف الإسرائيلي، إذ تضطر الحكومة للذهاب إلى القاهرة – التي كانت بالأمس ساحة المعركة – بحثًا عن وساطة، بينما تغلي شوارع مصر بذكريات النصر.


الذاكرة المصرية لا تصدأ

ما حدث يؤكد أن الذاكرة الوطنية المصرية ما زالت حاضرة بقوة، وأن اتفاقيات السلام لم تمحُ من الوجدان الجماعي صورة الجندي المصري الذي رفع العلم على الضفة الشرقية للقناة.
هذه الذاكرة، التي ورثها جيل لم يعش الحرب، تتحوّل اليوم إلى أداة جديدة في الوعي الشعبي — السخرية كسلاح.
في زمن مواقع التواصل، لم يعد العبور عسكريًا، بل رقميًا: من “عبور القناة” إلى “عبور التريند”، لكن الرسالة هي ذاتها — المصري لا ينسى انتصاره.

 

تقرير الصحف العبرية يكشف ما لم ترد تل أبيب الاعتراف به: أن مصر ما زالت تمتلك قوة معنوية تتجاوز حدود السياسة والدبلوماسية.
فحتى حين تستضيف القاهرة وفدًا إسرائيليًا في ذكرى الحرب، لا يشعر المصريون بأنهم يهادنون العدو، بل يسخرون منه على الملأ. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 4