كشفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اختار توقيت طرح خطته للتسوية في قطاع غزة بعناية بالغة، في خطوة تحمل أبعادًا سياسية وشخصية تتجاوز البعد الإنساني للصراع.
توقيت مدروس وطموح شخصي
ووفقًا للصحيفة، فإن ترامب يسعى إلى ربط تسوية النزاع في غزة بإعلان جائزة نوبل للسلام، في مسعى واضح لتقديم نفسه كصانع سلام عالمي، قادر على إنهاء أكثر النزاعات تعقيدًا في الشرق الأوسط.
واعتبرت الصحيفة أن الإعلان عن خطة التسوية لم يكن صدفة، إذ جاء بالتزامن مع الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر 2023، وما يمثله من رمزية سياسية وعسكرية للطرفين، وكذلك مع موسم الإعلان عن جوائز نوبل لعام 2025، حيث يتوق ترامب للحصول على الجائزة التي لم ينلها خلال ولايته السابقة رغم توقيعه اتفاقيات تطبيع في المنطقة.
خطة من 20 بندًا تحت إشراف ترامب
وذكرت فاينانشال تايمز أن الخطة التي صاغها ترامب تتألف من 20 نقطة رئيسية، أبرزها وقف إطلاق النار خلال 72 ساعة، وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، على أن تُنقل إدارة قطاع غزة إلى سلطة تكنوقراطية مؤقتة تشرف عليها هيئة دولية بقيادته شخصيًا.
ويرى مراقبون أن هذا البند بالذات يكشف الطموح الشخصي لترامب في لعب دور "الوصي الدولي" على غزة، في خطوة وصفتها دوائر سياسية بأنها محاولة لإعادة رسم النفوذ الأمريكي في المنطقة بعد تراجع صورته خلال الحرب.
رهان على ملف الرهائن
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي إسرائيلي سابق قوله إن ترامب كان يدرك منذ البداية أن قضية الرهائن هي مفتاح كل الأبواب في الشرق الأوسط، وأنه عمل على استغلالها كورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية وعلى فصائل المقاومة الفلسطينية على حد سواء.
وأضاف المصدر أن ترامب يسعى إلى تحقيق انفراج سياسي سريع عبر إطلاق سراح الرهائن، مستفيدًا من الدعم الدولي المتزايد للمبادرات الإنسانية، ليقدم نفسه كمنقذ قادر على إنهاء الحرب.
تحفظ إسرائيلي وتصدّع في المواقف
من جهته، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه لن ينتقل إلى تنفيذ أي من البنود الواردة في خطة ترامب قبل إطلاق سراح جميع المختطفين الأحياء والأموات، مؤكداً أن أمن إسرائيل يأتي قبل أي التزامات سياسية أو دبلوماسية.
كما نقلت وسائل إعلام عبرية عن وزير الدفاع يسرائيل كاتس قوله إن الجيش الإسرائيلي سيبقى متمركزًا في مناطق استراتيجية داخل قطاع غزة حتى بعد انتهاء الحرب، في إشارة إلى رفض ضمني لأي ترتيبات دولية تحدّ من السيطرة العسكرية الإسرائيلية.
جمود ميداني وانقسام في القرار الإسرائيلي
وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن القوات المتقدمة في مدينة غزة أوقفت عملياتها مؤقتًا، مشيرة إلى أن وحدات المناورة الثلاث المتمركزة في المدينة لا تتقدم في احتلال الجبهة ولا تنسحب إلى الخلف، ما يعكس حالة الجمود الميداني والسياسي التي تمر بها الحرب منذ أسابيع.
ويرى محللون أن هذا التوقف يعكس ارتباك المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية بين ضغوط واشنطن ورغبة اليمين الإسرائيلي في استمرار الحرب حتى تحقيق "نصر حاسم"، وهو ما يبدو بعيد المنال حتى الآن.
أبعاد سياسية تتجاوز غزة
تؤكد فاينانشال تايمز أن تحركات ترامب ليست منفصلة عن سياقه الانتخابي الداخلي في الولايات المتحدة، إذ يسعى الرجل إلى استثمار الملف الفلسطيني–الإسرائيلي كورقة دعائية في حملته للعودة إلى البيت الأبيض.
ويعتقد مراقبون أن ترامب يحاول الظهور بمظهر الزعيم العالمي القادر على تحقيق ما فشل فيه أسلافه، حتى لو جاء ذلك على حساب الحقوق الفلسطينية أو عبر فرض وصاية أمريكية جديدة على غزة بغطاء إنساني ودبلوماسي.
توقيت إعلان خطة ترامب لم يكن عفويًا، بل نتاج حسابات دقيقة تربط بين الجائزة التي يسعى إليها والرواية التي يريد فرضها: أنه الرجل الذي أوقف حربًا دامت عامين.
لكن في الواقع، تبدو خطته بالنسبة لكثيرين محاولة لتجميل وجه الاحتلال وتبييض جرائمه، عبر تسوية لا تُنهي العدوان بل تُعيد إنتاجه تحت عنوان “السلام”.
وفي الوقت الذي يسعى فيه ترامب إلى نيل "نوبل"، يبقى الدم الفلسطيني شاهدًا على أن ما يحتاجه القطاع ليس جائزة للسياسيين، بل عدالة ترفع الحصار وتُعيد الأرض لأهلها.