التوازن السوري أمام الضغوط الخارجية

2025.10.06 - 12:02
Facebook Share
طباعة

 تشهد سوريا اليوم لحظة فارقة ومعقدة، حيث تتزايد الضغوط الدولية والإقليمية، تتصدرها الولايات المتحدة وإسرائيل، بهدف دفع السلطة السورية الجديدة لتوقيع اتفاق أمني مع إسرائيل، سواء بالصيغة التي تطرحها تل أبيب أو بصيغ ملتبسة لا تحفظ الحد الأدنى من التوازنات الداخلية.

ظاهر هذه المقترحات قد يبدو خطوة نحو الاستقرار أو تسوية النزاع، لكنها تحمل أخطارًا استراتيجية على وحدة سوريا ومستقبلها، فضلاً عن انعكاساتها على أمن المنطقة بأسرها.


هشاشة الوضع الداخلي
سوريا الراهنة، بعد أكثر من عقد ونصف من الحرب والانقسامات والدمار، ليست في موقع يمكنها من تحمل أعباء التزامات استراتيجية من هذا النوع. السلطة الحالية تفتقر إلى قاعدة شرعية جامعة، ومحاطة بتوازنات داخلية هشة ومتعددة الأطراف، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي.

وبالتالي، فإن الدخول في اتفاق أمني مع إسرائيل في هذا السياق يعني عمليًا تقديم تنازلات قد لا يستطيع المجتمع السوري استيعابها، ولا الدولة تحمل تبعاتها. أي اتفاق يُبرم من موقع هشاشة وضرورات خارجية سيفقد قيمته السياسية والأخلاقية، وقد يؤدي إلى انفجار داخلي جديد، تغذيه قوى إقليمية ترى مصالحها متضررة.


المخاطر الإقليمية
أي ربط لسوريا بمنظومة أمنية إسرائيلية-أمريكية يحولها إلى أداة ضغط في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة لصالح تل أبيب وواشنطن، دون مراعاة مصالحها الوطنية. هذا الوضع يقوض استقلال سوريا ويجعلها رأس حربة لمشاريع خارجية، بدل أن تكون جسرًا بين شعوب المنطقة.

كما أن القبول بهذا المسار يثير احتمالات الانفصال المحلي، ويغذي النزعات الانفصالية، ويزيد من احتمالات الصراع الأهلي، خاصة أن الدولة الحالية لن تمتلك الوسائل الكافية للسيطرة على أي احتجاجات أو مقاومة شعبية.


الامتناع كخيار وجودي
انطلاقًا من هذه المعطيات، يصبح الامتناع عن التوقيع في الوقت الراهن خيارًا وجوديًا، وليس مجرد موقف سياسي. الامتناع لا يعني رفض الحوار أو إغلاق الأبواب أمام أي تسوية مستقبلية، بل يعني إدراك حجم اللحظة التاريخية وخطورة الالتزامات الاستراتيجية غير القابلة للتنفيذ داخليًا.

أي اتفاق خارجي يحتاج أولًا إلى قاعدة داخلية صلبة تمنحه الشرعية، ومن دون ذلك يظل مجرد حبر على ورق أو شرارة انفجار داخلي. لذلك، الأولوية القصوى أمام السوريين اليوم هي معالجة الانقسامات الداخلية وإعادة بناء الثقة الوطنية على أسس جديدة.


التركيز على الشراكة الوطنية
ما تحتاجه سوريا اليوم ليس اتفاقًا أمنيًا خارجيًا، بل اتفاقًا وطنيًا داخليًا يضمن شراكة حقيقية بين جميع المكونات، ويعيد صياغة الدولة على أساس العدالة وتوزيع الموارد بشكل متوازن. هذه الشراكة الوطنية تمثل شرطًا أساسيًا لإعادة الاستقرار، فهي تمنح الحكومة القدرة على التفاوض من موقع قوة، وليس من موقع ضعف أو اضطرار.

الامتناع عن الانصياع للضغوط الخارجية قد يضع سوريا في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وربما يعرضها لمزيد من العقوبات، لكنه الخيار الأقل خطورة مقارنة بفقدان مقومات الدولة والمجتمع، والحيلولة دون أن تصبح سوريا أداة في مشروع خارجي يهدد مصالحها وسيادتها.


الخيار الأمثل لمصلحة الدولة
اختيار الامتناع عن توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل في هذه المرحلة هو خيار إنقاذي بامتياز، لأنه يعكس إدراكًا عميقًا للحدود الممكنة في ظرف تاريخي معقد، ويفسح المجال أمام التركيز على الداخل والشراكة الوطنية قبل الانخراط في أي تحالفات أو تسويات إقليمية.

فقط على أرضية وطنية متماسكة يمكن لسوريا أن تفاوض من موقع قوة، وتحافظ على سيادتها ووحدتها، بدل أن تتحول إلى مجرد ورقة في يد الآخرين. بهذا المعنى، الامتناع ليس مجرد موقف سياسي، بل هو شرط البقاء واستثمار الفرصة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس صلبة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 3