سوريا تطلق مشاريع طاقة متجددة واسعة
شهد قطاع الكهرباء في سوريا نهاية الأسبوع الماضي توقيع مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع شركات محلية وخليجية، إضافة إلى شركات سورية-تركية مشتركة، في خطوة وصفها مسؤولون بأنها الأوسع منذ انطلاق التحول الحكومي نحو الطاقة المتجددة.
وتشمل الاتفاقيات شركات سورية-تركية مثل “STE”، إضافة إلى شركات سعودية مثل “الحرفي” و”سكلكو”، وتهدف إلى البدء الفوري في تنفيذ مشاريع طموحة في مجالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح خلال العامين المقبلين، مع التركيز على إنتاج طاقة نظيفة ورفع كفاءة الشبكة الكهربائية الوطنية.
تحول استراتيجي في سياسة الطاقة
تأتي هذه الخطوة ضمن خطة الحكومة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يثقل كاهل الاقتصاد ويضعف البنية التحتية المتضررة، ولتعزيز دور الطاقة المتجددة كمصدر أساسي للشبكة الوطنية.
وتركز المشاريع الجديدة على استثمار الإمكانات الطبيعية المتاحة في سوريا، واستخدام أحدث التقنيات لضمان استقرار التغذية الكهربائية وتغطية جزء كبير من الطلب المتزايد على الكهرباء، بالإضافة إلى تحسين كفاءة الشبكة المحلية التي شهدت في السنوات الأخيرة تذبذباً متكرراً في الإمدادات.
إنتاجية تصل إلى 600 ميغاواط
كشف مسؤول في المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء عن أن المشاريع الموقعة تهدف إلى إنتاجية إجمالية تصل إلى نحو 600 ميغاواط من الطاقة النظيفة. وقال إن هذه المشاريع ستدعم البنية التحتية الكهربائية في المحافظات الصناعية والزراعية، وتوفر تغذية أكثر استقراراً للمناطق الأشد حاجة، إضافة إلى خلق فرص استثمارية وتشغيلية جديدة تعزز دور القطاع الخاص في سوق الطاقة.
وتشمل المشاريع إنشاء ثلاث محطات للطاقة الشمسية بقدرة إجمالية تبلغ 500 ميغاواط، على أن تُنفذ خلال 18 شهرًا، إضافة إلى محطة طاقة ريحية بقدرة 200 ميغاواط، من المتوقع إنجازها خلال 24 شهرًا. وسيتم ربط المحطات بالشبكة الكهربائية على جهد 230 ك.ف لضمان توزيع مستقر للطاقة.
مشاريع سورية-تركية وسعودية متكاملة
أوضح ممثل شركة “STE” السورية-التركية أن مشروع الشركة في محافظة حمص سيشمل محطة شمسية بقدرة 100 ميغاواط لتغذية الشبكة في المنطقة الصناعية والزراعية، معتمدًا على تقنيات حديثة متوافقة مع الظروف المناخية المحلية، ومن المتوقع بدء العمل خلال الأشهر القليلة المقبلة والانتهاء خلال 18 شهرًا.
في الوقت نفسه، أفاد ممثل شركة “الحرفي” السعودية بأن شركته ستنفذ مشروعاً متكاملاً للطاقة الشمسية والرياحية بقدرة 200 ميغاواط يشمل محطتين للطاقة الشمسية ومحطة لطاقة الرياح لتغذية العاصمة دمشق ومحيطها خلال 24 شهرًا.
كما أعلن ممثل شركة “سكلكو” السعودية عن مشروع لإنتاج 100 ميغاواط في منطقة دير علي بريف دمشق، سيتم تنفيذه على مراحل متتالية وينتهي بنهاية 2026، بهدف تعزيز استقرار الشبكة ودعم خطة التحول نحو الطاقة النظيفة.
استكمال اتفاقيات سابقة
تأتي المشاريع الجديدة ضمن استكمال لاتفاقية أوسع وُقعت سابقًا بين وزارتي الطاقة السورية والسعودية خلال معرض دمشق الدولي، والتي شملت تطوير مشاريع طاقة شمسية وريحية بقدرات تصل إلى 2500 ميغاواط، إلى جانب أنظمة لتخزين الطاقة وإعادة تأهيل محطات قائمة.
كما تضمنت الاتفاقية السابقة ست مذكرات تفاهم للتعاون في مجالات الغاز الطبيعي، حفر الآبار، الدراسات الجيولوجية، وتحويل الغاز إلى طاقة، إضافة إلى نقل الخبرات وبناء القدرات المحلية في قطاع الطاقة.
تأثير المشاريع على قطاع الكهرباء
ومن المتوقع أن تسهم هذه المشاريع الجديدة بشكل مباشر في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، وتحسين استقرار الشبكة في المدن الكبرى والمناطق الصناعية والزراعية. كما أنها تمثل خطوة مهمة لتعزيز دور القطاع الخاص في سوق الطاقة، واستقطاب الاستثمارات المحلية والخارجية، ما يفتح المجال أمام فرص تشغيلية جديدة.
كما تؤكد الحكومة على أن مشاريع الطاقة المتجددة لن تحل محل الوقود التقليدي فورًا، بل ستعمل بالتوازي مع محطات الغاز والفيول لضمان إنتاج كهربائي مستقر خلال الفترة الانتقالية، إلى أن تصبح الطاقة النظيفة شريكًا أساسيًا في الشبكة الوطنية خلال السنوات المقبلة.
خطوة نحو استدامة الطاقة
هذه التحركات الحكومية تعكس رغبة واضحة في التحول إلى الطاقة النظيفة والاستفادة من المصادر الطبيعية بشكل أمثل، مع الالتزام بالمعايير البيئية والاستثمار في تقنيات حديثة تقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتدعم جهود تحسين الاستقرار الاقتصادي والبيئي في سوريا.
ويمكن وصف هذه الاتفاقيات بأنها تمثل بداية مرحلة جديدة في استراتيجية الطاقة الوطنية، حيث يلتقي الاستثمار الخاص المحلي والخليجي مع الخبرة الفنية والشراكات الدولية لتأسيس منظومة كهرباء أكثر كفاءة واستدامة، قادرة على مواجهة تحديات الطلب المتزايد وتحقيق التنمية المستدامة.
