تصاعد العنف يهدد السلم الأهلي في سوريا

2025.10.06 - 11:41
Facebook Share
طباعة

 شهدت سوريا خلال الأيام الماضية سلسلة من الجرائم المسلحة في مناطق متفرقة امتدت من طرطوس على الساحل السوري إلى أرياف حماة وحمص الغربية، ما أثار مخاوف محلية حول قدرة السلطات على ضبط السلاح المنفلت وتهديد الاستقرار المجتمعي.


بدأت الأحداث بمقتل أربعة أشخاص في قرية جدرين بريف حماة الجنوبي أثناء عودتهم من العمل. وأعلنت الجهات الأمنية لاحقًا القبض على المتهمين في الحادث. وفي مساء نفس اليوم، قُتل ثلاثة أشقاء في قرية حيالين بريف حماة الغربي على يد أشخاص ادعوا أنهم تابعون لجهة أمنية، ما أثار جدلاً واسعًا حول ملابسات الحادث.


وفي طرطوس، قُتل الدكتور حيدر شاهين، المرشح لعضوية مجلس الشعب، داخل منزله على يد مجهول ملثم، فيما تعرض شخصان للقتل وإصابة ثالث في قرية عناز بوادي النصارى بريف حمص الغربي على يد ملثمين يستقلان دراجة نارية. وقد فر الجناة مباشرة بعد تنفيذ جرائمهم.


ورغم الترويج الإعلامي على بعض الصفحات الاجتماعية حول وجود خلفيات طائفية أو صلات حكومية لهذه الحوادث، نفى المسؤولون الأمنيون أي تورط للدولة أو خلفيات طائفية في تلك الجرائم، مؤكدين أن التحقيقات جارية لضبط الجناة وتقديمهم إلى العدالة.


يأتي هذا التوتر في سياق تاريخي يشهد مناطق مثل وادي النصارى على صراعات سابقة بين قرى مختلفة، حيث كان هناك انقسام سياسي واجتماعي خلال الثورة السورية. وقد أصدرت بعض المجتمعات المحلية بيانات تنفي أي صلة بأحداث العنف، معتبرة أن الجناة من فلول النظام السابق أو جهات تسعى لتعكير الاستقرار وتأليب الأهالي على بعضهم البعض.


ويؤكد مسؤولون أمنيون أن السلاح الفردي محصور بيد الدولة، وأن أي محاولة لاستخدامه خارج القانون تُقابل بحملات أمنية صارمة، مع استمرار التحقيق لمعرفة دوافع الجناة، والتي قد تكون مرتبطة بالثأر أو مصالح شخصية، أو تعاون بعض الضحايا السابق مع ميليشيات محلية لها تاريخ من الانتهاكات.


ويشير المحللون إلى أن مناطق ريف حمص وحماة واللاذقية تتميز بتنوع طائفي ومذهبي يجعل أي حادثة قابلة للتأويل على أنها جزء من صراع أكبر، رغم أن الغالبية العظمى من الجرائم تمثل عمليات فردية بدوافع شخصية أو سياسية محدودة. ويعتبر الباحثون أن البعد السياسي غالبًا ما يكون العامل الأبرز، خصوصًا في استهداف أفراد لهم تاريخ من التعاون مع أجهزة النظام الأمنية السابقة، أو ضمن التوازنات الطائفية القديمة في المجتمع السوري.


وتشكل هذه الجرائم انعكاسًا لواقع هشاشة الأمن والعدالة، وانتشار السلاح الفردي، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يؤدي إلى تفاقم النزاعات البسيطة لتصبح مواجهات دامية. ويضيف المحلل السياسي نادر الخليل أن هذه الحوادث قد تكون جزءًا من محاولات منظمة لإشعال نيران الفتنة الطائفية، خصوصًا في ظل الانتخابات التشريعية الجارية، ما قد يهدد مسار الانتقال الديمقراطي ويؤثر على مشاركة المواطنين والمرشحين.


ويؤكد الخبراء أن الطائفية تُستغل كأداة سياسية أكثر من كونها هدفًا بحد ذاتها، وأن أي حل مستدام يتطلب نزع السلاح غير الشرعي، وتعزيز المحاسبة القانونية، وفتح حوار وطني يشمل جميع المكونات الطائفية والاجتماعية لضمان ثقة المواطنين بالدولة.


وتنقسم دوافع هذه الجرائم إلى ثلاثة محاور رئيسية:
دوافع اقتصادية: تشمل الفقر وانهيار الزراعة وانتشار التهريب والخطف والابتزاز، وهو ما دفع بعض السكان إلى اللجوء إلى أعمال غير قانونية.
دوافع اجتماعية: استمرار الثأر العائلي والطائفي، وغياب العدالة الانتقالية، وظهور النزعات الفئوية التي تؤدي إلى تحويل أي خلاف إلى صراع جماعي.
دوافع أمنية وسياسية: ضعف الجهاز القضائي، انتشار الفساد، والفراغ الأمني الذي يسمح بانتشار العنف دون مساءلة.


ويرى الباحثون أن الاستجابة الأمنية الفعالة والمهنية، إلى جانب إعادة بناء جهاز الأمن المركزي المحلي وتمثيل كافة المكونات السكانية فيه، يعد أمرًا حاسمًا للحفاظ على الاستقرار وبناء الثقة الوطنية.


ختامًا، تبدو هذه الأحداث انعكاسًا لفوضى أمنية عامة وانهيار منظومة العدالة، أكثر من كونها نتاج تخطيط مركزي أو مشروع سياسي منظم، ومع ذلك فإن أي تكرار مماثل من شأنه أن يؤثر على السلم الأهلي ومسار الانتقال الديمقراطي في سوريا، مما يفرض على السلطات الانتقالية والمجتمع الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع تفاقم الأزمة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 5