إلى أين يتجه الجنوب اللبناني بعد تفاهم غزة؟

2025.10.05 - 07:48
Facebook Share
طباعة

رغم انشغال الساحة اللبنانية بأزماتها الداخلية السياسية والاقتصادية، يبرز الجنوب مجددًا كمحور أساسي في المشهد الإقليمي، متأثرًا بالتطورات المتسارعة المحيطة بخطة إنهاء الحرب في غزة التي طرحتها الإدارة الأميركية. فالتفاهمات التي تُناقش في القاهرة وواشنطن وتل أبيب، تُعيد ربط الساحة اللبنانية بمسار الأحداث في غزة، وتضع الجنوب ضمن الحسابات الأمنية والسياسية الجديدة التي تُرسم للمنطقة، في مرحلة دقيقة تتداخل فيها ملفات السلاح والحدود والتوازنات الدولية.


في الأوساط الدبلوماسية، تتزايد المؤشرات إلى ارتباط وثيق بين ما يجري في قطاع غزة وما يمكن أن تشهده الساحة اللبنانية من تطورات. فالتفاهمات الجارية في القاهرة وواشنطن وتل أبيب لا تنحصر في وقف النار أو تبادل الأسرى فحسب، بل تشمل مقاربة أوسع تمتد إلى جبهات أخرى في الإقليم، بينها لبنان، الذي يُنظر إليه بوصفه الحلقة الأضعف والأكثر تأثراً بنتائج التسويات المقبلة.

الغموض يلف البنود وتخوف من الارتدادات:

يصف دبلوماسيون المرحلة الحالية بأنها “الأكثر غموضاً” منذ اندلاع حرب غزة. فالكثير من البنود التي تضمّنتها الخطة الأميركية لم تُكشف تفاصيلها بعد، وتُناقش خلف أبواب مغلقة في عواصم عدة، أبرزها القاهرة التي تستضيف جولة تفاوض جديدة بين حماس وإسرائيل، بمشاركة قطرية وأميركية.
وتلفت مصادر متابعة إلى أنّ أي تسوية دائمة في غزة لا يمكن فصلها عن الجبهة اللبنانية، لا سيما في ظل فشل محاولات الفصل بين الساحتين الشمالية والإسرائيلية خلال العامين الماضيين.

مشهد إقليمي متشابك:

توضح الأوساط الدبلوماسية، نقلاً عن "المركزية"، أنّ الساعات المقبلة تمرّ بصعوبة على معظم القوى الإقليمية المعنية، إذ يجد بعض اللاعبين أنفسهم مضطرين إلى دعم المبادرة الأميركية لدوافع متباينة. فالولايات المتحدة وزّعت المكاسب والمسؤوليات على الأطراف كافة بما يعكس موازين القوى الجديدة التي أفرزتها الحروب المتتالية في المنطقة.
ويشير مراقبون إلى أنّ ما جرى خلال العامين الأخيرين من انهيارات وتبدلات في خرائط النفوذ الإقليمي جعل من الصعب الفصل بين الجبهات، خصوصاً مع بروز معادلة “سبع جبهات مفتوحة” في آن واحد، بعضها ما زال ساخناً ميدانياً، وبعضها الآخر ينتظر استحقاقاته السياسية.

لبنان بين التجميد والحذر:

في الداخل اللبناني، تتجه الأنظار إلى المسار الأمني في الجنوب الذي بات جزءاً من منظومة "الآلية العسكرية الخماسية" أو ما يُعرف بـ"الميكانيزم"، التي تشرف على متابعة تطبيق قرار حصر السلاح جنوب الليطاني. وتشير المعلومات إلى أنّ الوفد اللبناني طلب مهلة إضافية لإنهاء المرحلة الأولى من العملية، على أن يُستكمل لاحقاً عبر “مسح شامل” للمناطق الجنوبية.

ورغم محاولات واشنطن والفريق الدولي تجميد الوضع اللبناني ضمن “ستاتيكو” هش، إلا أنّ المخاوف لا تزال قائمة من ارتدادات محتملة لأي تطور في غزة. فاستمرار الاحتلال الإسرائيلي لبعض النقاط الحدودية، التي ارتفع عددها إلى أحد عشر موقعاً، يثير قلق المؤسسة العسكرية اللبنانية التي تنتظر اجتماع اللجنة الخماسية منتصف الشهر الجاري لتحديد الخطوات التالية.

احتمالات ما بعد غزة:

يعتبر متابعون أنّ المرحلة المقبلة ستكشف مدى جدية الأطراف الدولية في تطبيق مبدأ “حصر السلاح بيد الدولة”، وهو الملف الأكثر حساسية في الداخل اللبناني. فبينما تطرح بعض السيناريوهات إمكان تأجيل المواجهة في الجنوب ضمن صفقة إقليمية أوسع، يرى آخرون أنّ أي تفاهم حول غزة لن يكتمل من دون معالجة الجبهة الشمالية التي تشكل مصدر قلق دائم لإسرائيل.

وتترقب الدوائر السياسية ما سيصدر عن مجلس الوزراء اللبناني الذي سيتسلم قريباً تقرير قيادة الجيش حول الوضع في الجنوب. التقرير، وفق المعطيات الأولية، سيعرض نتائج المرحلة الأولى من عملية المسح، وما إذا كانت البيئة الجنوبية خالية من السلاح غير الشرعي بالكامل. ويُنتظر أن يكون هذا التقرير نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة قد تحدد طبيعة الدور اللبناني في التوازنات المقبلة.

الجنوب أمام اختبار التسويات:

في المحصلة، يبدو أنّ الجنوب اللبناني يقف مجدداً على مفترق حساس بين خيارين: إما البقاء في دائرة الانتظار ضمن هدنة إقليمية طويلة الأمد، أو الدخول في مسار تفاوضي جديد يربط ملفه بالأمن الجماعي للمنطقة. وبين هذين الاحتمالين، يظل الميدان الجنوبي مرآة للتفاهمات الكبرى، بانتظار أن تتضح ملامح “اليوم التالي” في غزة، وما إذا كانت ترتيباته ستمتد شمالاً إلى حدود الليطاني. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 9