خلية أمريكية لمواجهة عقدة “الهول” المعقدة

2025.10.05 - 02:53
Facebook Share
طباعة

 تدخل قضية مخيم “الهول” في شمال شرقي سوريا مرحلة جديدة بعد إعلان القيادة المركزية الأمريكية عن تشكيل “خلية مشتركة لإعادة المحتجزين” إلى أوطانهم، في خطوة توصف بأنها اختبار حقيقي لقدرة واشنطن على تحويل التعهدات إلى تنفيذ ميداني، ضمن ملف إنساني وأمني يُعد من الأكثر تعقيدًا في الشرق الأوسط.


تحرك أمريكي بخلفية أمنية وإنسانية
أعلن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الأدميرال براد كوبر، عن إنشاء “الخلية المشتركة” خلال مؤتمر رفيع المستوى عقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، مخصص لبحث أوضاع مخيم “الهول” والمراكز المحيطة به.
وأوضح كوبر أن هدف الخلية هو تسريع عودة المعتقلين والنازحين من المخيمات إلى بلدانهم الأصلية، داعيًا الدول إلى تحمل مسؤولياتها في هذا الملف الذي “لم يعد إنسانيًا فحسب، بل أمنيًا عالميًا”.
ويضم المخيم أكثر من 50 ألف شخص، معظمهم من عائلات مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينهم آلاف النساء والأطفال من جنسيات مختلفة، يعيشون في ظروف صعبة منذ سنوات. وتخشى الجهات الدولية أن يؤدي استمرار الوضع الراهن إلى تجدد الفكر المتطرف داخل المخيم، وتحوله إلى بؤرة تهديد جديدة للأمن الإقليمي.


من ملف محلي إلى قضية أمن دولي
يرى مراقبون أن خطوة واشنطن تعكس إدراكًا متزايدًا لخطورة استمرار حالة الجمود في قضية “الهول”، حيث تحول المخيم إلى ما يشبه “قنبلة موقوتة” أمنية وإنسانية.
ويؤكد الباحث السياسي سامر الأحمد أن تشكيل الخلية “ليس إجراءً تقنيًا بقدر ما هو إعلان عن تحول في طريقة التفكير الأمريكية تجاه الملف، باعتباره قضية أمن قومي دولي تتطلب مقاربة جماعية”.
ويضيف أن “الولايات المتحدة لم تعد ترغب في إدارة المخيم منفردة أو عبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بل تسعى لخلق إطار تنسيقي يضم الدول المعنية لتقاسم المسؤولية القانونية والسياسية”.


مخاوف من استمرار التهديد
بعد إعلان التحالف الدولي في عام 2019 القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”، بقيت المخاوف محصورة في مخيم “الهول” الذي يؤوي آلاف النساء والأطفال المرتبطين بعناصر التنظيم.
ويقول المحلل السياسي حسن النيفي إن “الخشية الأساسية تكمن في أن يتحول المخيم إلى بيئة خصبة لتناسل أفكار التنظيم وإعادة إنتاجها، ما يبرر القلق الدولي المتزايد”.
ويضيف أن الخلية الأمريكية الجديدة تمثل محاولة لتطويق هذا الخطر، لكنها ستواجه تحديات في إقناع الدول المعنية بإعادة مواطنيها الذين كانوا مرتبطين بالتنظيم، خاصة أن كثيرًا من هذه الدول ترفض استقبالهم خشية تداعيات أمنية داخلية.


أول آلية دولية من نوعها
تكمن أهمية الخطوة الأمريكية في كونها المرة الأولى التي يُطرح فيها إطار دولي منظم لمعالجة ملف المحتجزين والنازحين في شمال شرقي سوريا، بعدما ظل الملف لسنوات في يد “قسد” أو قيد مبادرات فردية من بعض الحكومات.
ويرى الأحمد أن “الخلية المشتركة” يمكن أن تتحول إلى منصة للتنسيق بين الجهات المختلفة، من خلال تبادل قواعد البيانات، وتنظيم آليات تسليم واستلام المعتقلين، ووضع ترتيبات أمنية لعمليات النقل، إلى جانب إشراف قانوني يضمن الشفافية ويمنع الانتهاكات.
ويضيف أن نجاح الخلية يتوقف على قدرتها على بناء ثقة بين الأطراف المعنية، وتجاوز البيروقراطية التي عطلت هذا الملف طويلًا.


اختبار التطبيق والالتزام
تواجه الخلية منذ انطلاقتها تحديات كبيرة، أبرزها مدى استعداد الدول المعنية لاستعادة رعاياها، والتعاون في برامج إعادة التأهيل والدمج.
ويشير الأحمد إلى ضرورة وضع جدول زمني واضح لإعادة دفعات محددة من المحتجزين كل فترة، مع رقابة دولية تضمن أن العملية لا تتحول إلى ترحيل عشوائي أو إجراء شكلي.
أما النيفي فيرى أن الحل الأمثل يبقى في “تحمل الدول لمسؤولياتها تجاه مواطنيها”، مؤكدًا أن المماطلة المستمرة هي ما جعلت من “الهول” أزمة متفاقمة.


الدور السوري في المعادلة
مع إطلاق المبادرة الأمريكية، يُرجح أن تسعى حكومة دمشق إلى لعب دور في “الخلية المشتركة” لتأكيد سيادتها على الأرض واستعادة موقعها كشريك دولي في مكافحة الإرهاب.
ويرى الأحمد أن “دمشق ستعمل على أن تكون جزءًا من أي ترتيبات تخص السجون أو المخيمات، مستفيدة من الزخم السياسي الذي أعقب مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في اجتماعات الأمم المتحدة وزيارة الأدميرال كوبر إلى دمشق”.
ويعتقد أن إشراك الحكومة السورية في العملية سيُستخدم أيضًا لتحسين صورتها الدولية وإظهارها كشريك موثوق في الجهود الأمنية والإنسانية.


تقاطع محتمل مع “قسد”
فتح الإعلان عن الخلية باب الحديث عن إمكانية أن تمثل خطوة لفتح قنوات تنسيق غير مباشر بين دمشق و”قسد”، برعاية أمريكية ودولية، بحكم أن معالجة ملف “الهول” لا يمكن أن تتم دون تعاون الطرفين.
ويشير الأحمد إلى أن “وجود الخلية قد يفرض على الإدارة الذاتية أمرًا واقعًا يدفعها للانخراط في ترتيبات جديدة مع الحكومة السورية، خصوصًا بعد اتفاق 10 آذار الذي حدد إطارًا للتعاون الأمني والإداري بين الجانبين”.


مطالب معقدة ومخاوف من فقدان النفوذ
تطالب “الإدارة الذاتية” بأن تتم عملية إعادة المقاتلين بعقوبات ومحاكمات “عادلة وشفافة” داخل أراضيها، في حين يرى محللون أن هذه المطالب، وإن كانت مشروعة سياسيًا، تفتقر إلى الأساس القانوني الدولي، إذ لا تمتلك “قسد” صفة قضائية معترفًا بها.
ويعتبر الأحمد أن تنفيذ “الخلية” لعمليات الإعادة والإشراف الدولي عليها “سيُضعف من قدرة الإدارة الذاتية على استخدام ملف الهول كورقة ضغط سياسية”، وهو ما يشير إلى تغيّر في موازين القوى المحلية.
أما النيفي فيرى أن تمسك “قسد” بملف المحاكمات “هو محاولة للاستثمار السياسي، فلو كانت جادة في المحاسبة، لبدأت منذ سنوات”.


ختام: طريق طويل أمام الحل
يمثل مخيم “الهول” أحد أعقد الملفات التي خلّفها الصراع في سوريا، إذ تتداخل فيه الأبعاد الأمنية والإنسانية والسياسية، ويشكل عبئًا على جميع الأطراف.
ورغم الحراك الأمريكي الأخير، يبقى نجاح “الخلية المشتركة” مرهونًا بمدى التزام الدول بإعادة رعاياها، وقدرتها على معالجة الجوانب القانونية والإنسانية لهذا الملف المعقد.
وحتى ذلك الحين، سيظل “الهول” اختبارًا صعبًا للجهود الدولية، ومؤشرًا على مدى استعداد المجتمع الدولي لتحويل الوعود إلى أفعال.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 1