انقسام الجالية السورية بأمريكا حول عقوبات قيصر

2025.10.05 - 02:39
Facebook Share
طباعة

 يشهد ملف العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بموجب قانون “قيصر” منذ عام 2020، حالة من الجدل والانقسام داخل أوساط الجالية السورية في الولايات المتحدة، بين من يدعو إلى رفع هذه العقوبات بشكل كامل باعتبارها تُرهق السوريين، ومن يطالب بالإبقاء عليها كأداة ضغط تضمن المساءلة والعدالة، في ظل تحركات سياسية متجددة في واشنطن تتعلق بمستقبل القانون.


تباين المواقف داخل الجالية
تضغط منظمات سورية أمريكية، أبرزها “المجلس السوري- الأمريكي”، من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا، معتبرة أن استمرارها يفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، ويؤثر مباشرة على المدنيين. في المقابل، تدعو “رابطة العلويين في الولايات المتحدة” إلى الإبقاء على العقوبات، وتربط رفعها بتحقيق إصلاحات سياسية ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، معتبرة أن العقوبات تمثل ضمانة للعدالة وحماية لحقوق الأقليات.

هذا التباين في المواقف يعكس عمق الانقسام داخل الجالية السورية حول أدوات الضغط السياسي وأولويات المرحلة الانتقالية في سوريا، بين من يرى أن العقوبات عقبة أمام التعافي، ومن يعتبرها وسيلة ضرورية لمنع الإفلات من العقاب.


تعديلات تشريعية جديدة
شهد الكونغرس الأمريكي خلال شهر أيلول الماضي تحركًا تشريعيًا جديدًا بشأن قانون “قيصر”، حين قدّم عضوا الكونغرس ليندسي غراهام وكريس فان هولن تعديلًا يقضي بتعليق بعض بنود القانون مؤقتًا، لكن بشروط محددة تلتزم بها الحكومة السورية الانتقالية.
وتتضمن هذه الشروط الانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، وضمان مشاركة المكونات الدينية والإثنية في الحياة السياسية، والحفاظ على علاقات سلمية مع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل. كما تطالب التعديلات بإخراج المقاتلين الأجانب من مؤسسات الدولة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات منذ عام 2024.

ويقضي التعديل بأن يرفع الرئيس الأمريكي تقريرًا دوريًا إلى الكونغرس كل 120 يومًا لتقييم مدى التزام الحكومة السورية بهذه الشروط، على أن تُعاد العقوبات تلقائيًا في حال عدم الالتزام بها مرتين متتاليتين.


دعم ومعارضة داخل الجالية
رحّبت “رابطة العلويين” في الولايات المتحدة بهذا التعديل، ووجهت رسالة إلى عضوي الكونغرس غراهام وفان هولن، أعربت فيها عن دعمها لما وصفته بخطوة ضرورية تضمن المساءلة وحماية حقوق الإنسان. وأكدت “الرابطة” أن مهمتها تتمثل في الدفاع عن الأقلية العلوية وصون كرامتها، مشيرة إلى ما تعتبره انتهاكات واعتداءات طالت أبناء الطائفة خلال سنوات الصراع.

في المقابل، انتقد “المجلس السوري- الأمريكي” موقف “الرابطة”، معتبراً أن دعمها لاستمرار العقوبات يضرّ بالشعب السوري. وقال عدد من أعضائه إن القانون فُرض أساسًا لمعاقبة النظام السابق على انتهاكاته، لكن استمراره بعد تغيّر الأوضاع السياسية في دمشق يفقده مبرره، مؤكدين أن المجلس سيواصل جهوده لإلغاء العقوبات وفتح المجال أمام التعافي الاقتصادي.


خلفيات وتأسيس الرابطة
أُعلن عن تأسيس “رابطة العلويين في الولايات المتحدة” مطلع شباط الماضي، وتقول إنها منظمة غير ربحية تهدف إلى تمثيل الطائفة العلوية في المهجر والدفاع عن حقوقها الدينية والاجتماعية.
ويرى القائمون على الرابطة أن تأسيسها جاء بعد “موجة من التوترات الطائفية” داخل سوريا وخارجها أعقبت سقوط النظام السابق، وأنها تسعى لتصحيح الصورة النمطية عن الطائفة وتأكيد استقلالها عن أي سلطة سياسية.

ويؤكد رئيس الرابطة أن موقفها من العقوبات منسجم مع الرؤية الأمريكية التي تربط رفعها بإصلاحات سياسية وانتقال نحو نظام تشاركي، مشددًا على أن الإبقاء عليها مرحليًا ضروري للضغط من أجل العدالة والمحاسبة.


لوبيات وتأثيرات متبادلة
من جهته، يرى بعض الناشطين السوريين في واشنطن أن تأثير “رابطة العلويين” محدود بحكم حداثة تأسيسها، إلا أن وجودها يضيف صوتًا جديدًا في النقاش العام حول السياسة الأمريكية تجاه سوريا.
ويقول أعضاء في “المجلس السوري- الأمريكي” إن العقبة الحقيقية أمام رفع العقوبات لا تكمن في نشاط الرابطة، بل في توازنات الكونغرس وضغوط لوبيات أخرى، وعلى رأسها جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، التي يُعتقد أنها تفضّل الإبقاء على العقوبات خشية من تغييرات استراتيجية في المنطقة.


البعد الإسرائيلي في الملف
كانت تقارير إعلامية قد أشارت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب من الإدارة الأمريكية، خلال زياراته الأخيرة إلى واشنطن، عدم رفع العقوبات عن سوريا، معتبرًا أن ذلك قد يفتح الباب أمام تعزيز نفوذ قوى معادية لإسرائيل.
وفي بيان سابق، أصدرت “رابطة العلويين” موقفًا يرفض جميع أشكال التطرف، وأدانت التنظيمات الجهادية التي ساهمت –بحسب وصفها– في زعزعة استقرار المنطقة. وقد اعتبر بعض الناشطين أن هذا الخطاب محاولة من الرابطة لكسب دعم أطراف أمريكية مؤيدة لإسرائيل، وهو ما نفته الرابطة مؤكدّة استقلال مواقفها.


موقف الحكومة السورية
في المقابل، تواصل الحكومة السورية جهودها لرفع العقوبات كليًا، معتبرة أنها تعيق إعادة الإعمار وعودة الحياة الاقتصادية. وخلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، دعا الرئيس السوري أحمد الشرع إلى “إنهاء العقوبات المفروضة على الشعب السوري”، واصفًا إياها بأنها “أداة لتقييد إرادة السوريين”.

كما تناولت اللقاءات الثنائية بين وفود سوريا والولايات المتحدة خلال الأشهر الماضية قضية العقوبات، في إطار سعي الطرفين لتطبيع العلاقات تدريجيًا ضمن ترتيبات المرحلة الانتقالية. وتشير تقديرات دبلوماسية إلى أن واشنطن قد تتجه نحو تخفيف تدريجي للعقوبات في حال تحقيق تقدم ملموس في ملفات الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان.


رؤية الخبراء
يرى محللون أن رفع العقوبات لن يكون قرارًا سريعًا أو مطلقًا، بل عملية مشروطة بخطوات عملية يمكن التحقق منها. ويؤكد خبراء في السياسة الأمريكية أن البيت الأبيض يبدي اهتمامًا متزايدًا بإيجاد مخرج سياسي يضمن التزامات دمشق بمكافحة الإرهاب وحماية الأقليات، في حين يظل الكونغرس منقسمًا بين تيارين: أحدهما يدعم الانفتاح التدريجي، وآخر يصرّ على استمرار الضغط لضمان المساءلة.


مشهد منقسم ومآلات مفتوحة
يبقى الجدل حول قانون “قيصر” تجسيدًا لانقسام أوسع داخل الجالية السورية في أمريكا حول مستقبل سوريا وموقعها في المعادلات الدولية. فبينما يرى فريق أن رفع العقوبات ضرورة لإنقاذ الاقتصاد السوري، يعتبر آخرون أن أي تخفيف غير مشروط سيقوّض فرص العدالة ويعيد إنتاج الاستبداد.
وفي ظل هذا التباين، يبدو أن مصير “قيصر” سيظل رهن المساومات السياسية داخل واشنطن، وتوازنات القوى بين اللوبيات السورية والإقليمية والدولية، إلى أن تتضح ملامح المرحلة المقبلة في سوريا.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 3