بدأت الولايات المتحدة مؤخراً خطوات ملموسة لتخفيف بعض القيود التجارية التي كانت تمنع تصدير عدد كبير من السلع إلى سوريا، في إطار تعديلات صادرة عن مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأمريكية (BIS) في سبتمبر 2025. وتأتي هذه الخطوة ضمن سياسة تدريجية لإعادة فتح المجال الاقتصادي بين البلدين بعد سنوات من العقوبات الصارمة.
خلفية التشديد التاريخي
على مدى عقود، فرضت الولايات المتحدة قيوداً مشددة على الصادرات إلى سوريا، تشمل معظم السلع التكنولوجية والحساسة، بموجب قوانين متعددة منها قانون Accountability and Lebanese Sovereignty Restoration Act وقرارات تنفيذية أخرى. وبسبب هذه القيود، كانت معظم الصادرات، بما فيها السلع الاستهلاكية العادية، تتطلب الحصول على تراخيص صارمة ومعقدة.
وفي يونيو 2025، وقع الرئيس الأمريكي أمراً تنفيذياً يقضي برفع جزء كبير من العقوبات الاقتصادية على سوريا، وهو ما مهّد الطريق أمام تعديل سياسات التصدير وتخفيف القيود التي كانت تمنع وصول بعض السلع الأساسية إلى السوق السورية.
التعديلات الجديدة في قانون التصدير
في الثاني من سبتمبر 2025، أصدرت BIS القاعدة النهائية المسماة “Relaxing Export Controls for Syria”، والتي تعدل تنظيمات التصدير (EAR) لتوسيع الاستثناءات وتسهيل عملية ترخيص بعض الصادرات.
ومن أبرز ما تضمنت القاعدة الجديدة:
استثناء ترخيص جديد باسم License Exception Syria Peace and Prosperity (SPP): يسمح بتصدير السلع المصنفة EAR99، أي السلع غير الحساسة، إلى سوريا دون الحاجة إلى ترخيص في معظم الحالات.
توسيع استثناءات قائمة: شمل ذلك الأجهزة الاتصالية الاستهلاكية (CCD)، لتشمل بعض الهواتف والأجهزة الإلكترونية العادية التي لا تتطلب ترخيصاً في الظروف التقليدية.
تسهيل عمليات الترخيص لبعض الصادرات المحدودة: عبر اعتماد معايير مراجعة أكثر ليونة، مع التركيز على الاستخدام المدني أو المشاريع الحيوية مثل الاتصالات والطيران المدني.
السماح بتصدير قطع الغيار والخدمات للصيانة: ضمن استثناء "servicing & replacement parts" (RPL)، بشرط أن تكون المكونات غير حساسة.
مع ذلك، تظل بعض الصادرات الحساسة، والكيانات المدرجة على قوائم العقوبات، والمشروعات ذات الاستخدام العسكري خاضعة للمراجعة الدقيقة أو محظورة بالكامل، ما يحافظ على عناصر الرقابة الأمريكية التقليدية.
الأثر والتبعات المتوقعة
تشير التقديرات إلى أن التغييرات قد تُحدث تأثيراً ملحوظاً على الاقتصاد السوري، خصوصاً في قطاعات إعادة الإعمار والبنية التحتية والاتصالات والطاقة. فتح المجال لصادرات السلع غير الحساسة يسهّل وصول الأجهزة والمواد الأساسية إلى السكان العاديين، ويخفف بعض الضغط الاقتصادي المتزايد نتيجة سنوات العقوبات.
كما من المتوقع أن تجد الشركات الأمريكية والدولية فرصة لاستكشاف السوق السوري، مع مراعاة التقيّد بالقوانين الخاصة بالعقوبات وحظر التعامل مع كيانات أو أفراد مدرجين على قوائم الحظر.
خطوات مستقبلية محتملة
تفتح التعديلات الباب أمام إمكانية زيادة التعاون التجاري بشكل محدود، خصوصاً في مجالات الخدمات المدنية والبنية التحتية. ومع ذلك، يبقى تأثير هذه الخطوة مرتبطاً بتطور المشهد السياسي والأمني في سوريا، ومدى التزام الأطراف المحلية والدولية بالضوابط الجديدة.
في المحصلة، تمثل هذه الخطوة الأمريكية إشارة أولى نحو مرونة اقتصادية أكبر، قد تعزز جزءاً من النشاط التجاري وتوفر سلعاً أساسية للسوق السورية، دون رفع جميع القيود أو إلغاء العقوبات كلياً. ويأتي ذلك في وقت يشهد فيه الاقتصاد السوري تحديات كبيرة نتيجة الأزمات المتعاقبة.