تواصل القوات الإسرائيلية توغّلها داخل الأراضي السورية، مع تسجيل انتهاكات متكررة للسيادة السورية في مناطق الجنوب، بعد فشل المفاوضات التي جرت مؤخرًا في الولايات المتحدة بين الجانبين السوري والإسرائيلي. المفاوضات لم تُفضِ إلى اتفاق أمني بسبب إصرار إسرائيل على فتح ممر إنساني يربط مناطقها بمحافظة السويداء، وهو ما رفضته دمشق، بحسب مصادر سياسية سورية.
وفي الساعات الأربع والعشرين الماضية، رصدت تقارير ميدانية عمليات توغّل متكررة في مناطق القنيطرة، ترافقها حملات اعتقال ومداهمات للمنازل وتوسع ميداني لقوات إسرائيلية دون رادع، وسط تحليق شبه يومي للطائرات الاستطلاعية والمسيّرة، وفق ما أكدته مصادر محلية.
وتشير المعلومات إلى أن القوات الإسرائيلية نفّذت أربع عمليات توغّل خلال اليوم الأخير، مع انتشار آليات عسكرية ودوريات إسرائيلية قامت بحملات تفتيش في قريتين متاخمتين للجولان المحتل، عقب توغّل محدود داخل الأراضي السورية. وتصف هذه التحركات بأنها "عنجهية غير مسبوقة" من قبل القوات الإسرائيلية، ما يزيد من حدة التوتر على الحدود السورية الإسرائيلية.
وفي تعليق على التطورات، اعتبر قيادي في حزب اليسار الديمقراطي السوري أن مسودة اتفاق محتملة كانت تنص على تموضع الجيش السوري في الجنوب وسحب السلاح الثقيل، مع احتفاظ إسرائيل بمركز الرادار في جبل الشيخ وموقع تل الحارة، والسماح لها باستخدام الأجواء السورية في عملياتها ضد إيران. وأوضح أن الضغوط الأميركية كانت تهدف لتوقيع الاتفاق، لكن الخلاف حول الممر الإنساني إلى السويداء حال دون التوصل إلى صيغة نهائية.
وأشار السياسي السوري إلى أن دمشق لن تقبل بفتح أجوائها أمام إسرائيل لضرب دول أخرى، مؤكداً أن أي اتفاق من هذا النوع قد يقوض الحماية الدولية لقوات الأندوف ويخل بموجب قرارات مجلس الأمن التي تؤكد أن الجولان أرض سورية، ويعتبر الربط بين الممر الإنساني والسويداء ذريعة إسرائيلية للتدخل في الشأن السوري.
وأضاف القيادي أن المصطلحات التي استخدمت مثل "خفض التصعيد" تم توظيفها للمرور باتفاقات خارج مظلة الأمم المتحدة، وهو ما وصفه بـ"انتحار سياسي" لأن أي اتفاق من هذا النوع يتجاوز قرارات مجلس الأمن وينطوي على مخاطر كبيرة على الوضع السوري. وشدد على ضرورة أن تلتزم الحكومة المؤقتة بمبدأ التشاركية ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، "حتى لا يفتح ذلك الباب أمام التدخلات الخارجية".
ومن وجهة نظر دبلوماسية، يرى محللون أن التوصل إلى اتفاق بين سوريا وإسرائيل يتطلب جهودًا مكثفة، مع تهيئة الظروف المناسبة للتفاوض، وتحديد أهداف مشتركة مثل استقرار المنطقة وتحسين الوضع الاقتصادي، وإمكانية أن يلعب الوسطاء الدوليون، دورًا محوريًا في تسهيل الحوار. كما أشاروا إلى أن تجارب سابقة مثل اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974 توفر إطارًا مفاهيميًا يمكن البناء عليه، إذ نصّت على وقف إطلاق النار وفصل القوات المتحاربة تحت إشراف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
في الوقت نفسه، يثير استمرار التوغّل الإسرائيلي مخاوف واسعة من تصاعد العنف في الجنوب السوري، وزيادة الضغط على السكان المحليين، بالإضافة إلى تداعيات محتملة على الاستقرار الإقليمي. ويؤكد المراقبون أن أي خطوات تصعيدية قد تؤثر سلبًا على جهود الحل السياسي وتزيد من هشاشة الوضع الأمني على طول الحدود السورية الإسرائيلية، ما يجعل الحاجة إلى حوار دولي ودبلوماسي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.