في خطوة تهدف إلى تسهيل التعاملات النقدية اليومية وتخفيف الأعباء المالية على المواطنين، أعلن مصرف لبنان عن نيته طرح فئات ورقية جديدة تشمل 500 ألف، ومليون، و5 ملايين ليرة. هذه الخطوة تأتي بعد إقرار مجلس النواب تعديلات على بعض فقرات قانون النقد والتسليف، وسط نقاش واسع حول انعكاساتها على الأسعار وحركة السوق واستقرار سعر الصرف. وتعكس هذه المبادرة سعي المصرف المركزي إلى تيسير تداول الأموال وتخفيف الضغوط النقدية في ظل أزمة اقتصادية مستمرة، مع محاولة الحفاظ على الثقة بالمؤسسات المالية في البلاد.
أشار خبراء اقتصاديين إلى أن هذه الخطوة ضرورية على الرغم من تأخرها، مشيرين إلى أهميتها في إطار الحفاظ على استقرار سعر الصرف عند 89,500 ليرة، وهو المعدل الذي اعتمد في الموازنة العامة وكرّسه مصرف لبنان من خلال التعميم 167. الاستقرار النقدي يعد عنصراً محورياً في ضبط الاقتصاد، إذ يُسهم في تهدئة الأسواق ويحد من تقلبات أسعار السلع والخدمات، بينما أي تعديل في سعر الصرف يحتاج إلى خطة متكاملة تشمل القطاعات المنتجة ومؤسسات الدولة لضمان استدامة التأثير الإيجابي.
تداعيات الطرح النقدي الجديد:
طرح الفئات النقدية الجديدة يحمل تداعيات متعدّدة على صعيد الاقتصاد والمجتمع. على المستوى المالي، يساعد المصرف المركزي على إدارة الكتلة النقدية بشكل أكثر فعالية ويقلل التكاليف المرتبطة بطباعة كميات ضخمة من الأوراق الصغيرة، إذ إن طباعة ورقة نقدية بقيمة 5 ملايين ليرة تصل كلفتها إلى نحو 55 دولاراً، مقابل دولار واحد لطباعة ورقة 100 ألف ليرة، هذا الفرق يمنح المصرف مرونة أكبر في التحكم بالسيولة المتاحة ويخفف من الضغوط المالية على خزينته، وهو ما يتيح إمكانية تخصيص موارد إضافية لدعم قطاعات أخرى أو مشاريع إنمائية محدودة.
من الناحية الاجتماعية، يُتوقع أن تسهم الفئات الكبيرة في تسهيل المعاملات اليومية للمواطنين، خصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية لليرة اللبنانية. الكثير من المواطنين يواجهون صعوبات في التعامل النقدي اليومي بسبب الحاجة إلى كميات ضخمة من الأوراق الصغيرة، مما يزيد من التعقيدات في القطاع التجاري والخدمات. ويؤدي توفير فئات أكبر إلى تبسيط عمليات الدفع، وتقليل التكدس النقدي، وتحسين سرعة إنجاز المعاملات التجارية والشخصية.
مع ذلك، هناك تحذيرات من أن إدخال فئات نقدية أكبر قد يزيد من مخاطر التضخم على المدى المتوسط إذا لم يصاحبه ضبط للسيولة وحركة الأسعار. إذ قد يشعر البعض بأن توفر أوراق نقدية عالية القيمة يتيح استهلاكاً أكبر، ما قد يرفع الطلب على بعض السلع والخدمات ويؤدي إلى ضغط على الأسعار، خصوصاً في سوق لا تزال غير مستقرة اقتصادياً.
انعكاسات على القطاع التجاري والمصرفي:
يتيح طرح الفئات النقدية الكبيرة للبنوك التجارية فرصاً لتسهيل المعاملات النقدية وتقليل تكاليف النقل والتخزين. كما أن هذه الخطوة قد تعزز الثقة بين المؤسسات المالية والمودعين، إذ يلاحظ القطاع المصرفي محاولة مصرف لبنان تخفيف الضغوط على المواطنين وتحسين التعاملات اليومية. من جهة أخرى، يظل القطاع التجاري عرضة لتقلبات أسعار الصرف، وطرح الأوراق النقدية الكبيرة وحده لا يكفي لضمان استقرار السوق، إذ يحتاج الأمر إلى تنسيق كامل بين السياسات النقدية والمالية، وإلى استمرار الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها.
التحديات المستقبلية:
رغم أهمية هذه الخطوة، تبقى عدة تحديات أمام نجاحها. أولاً، قدرة الدولة على ضبط الكتلة النقدية وحركة الأموال، خصوصاً مع استمرار ضغوط التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية. ثانياً، الحاجة إلى متابعة دقيقة لتأثير هذه الفئات على السوق، إذ قد يؤدي استخدامها بشكل مفرط إلى زيادة حجم النقد المتداول دون زيادة فعلية في الإنتاج، ما قد يفاقم الضغوط التضخمية. ثالثاً، ضرورة توعية المواطنين بالتعامل مع الفئات النقدية الجديدة وتوضيح استخدامها في المعاملات اليومية لتجنب سوء الاستخدام أو الاحتفاظ بها خارج النظام المصرفي، وهو أمر قد يقلل من فعاليتها.
ختاماً، خطوة مصرف لبنان لطرح فئات نقدية أكبر تأتي كإجراء تقني واستراتيجي ضمن محاولة ضبط المشهد النقدي وتسهيل حياة المواطنين، لكنها ليست حلاً شاملاً للأزمات الاقتصادية. فنجاحها يعتمد على تكاملها مع سياسات إصلاحية أوسع تشمل ضبط التضخم، تعزيز الاستقرار المالي، وتطوير آليات المراقبة والمحاسبة، بما يضمن استمرار الثقة بالمؤسسات المالية وحماية القدرة الشرائية للمواطنين.