شهد لبنان خلال السنوات الماضية ارتفاعاً مستمراً في حالات الإصابة بالسرطان، ما جعل هذا المرض يشكل تحدياً صحياً واجتماعياً واسع النطاق. فالسرطان لم يعد مجرد حالة فردية نادرة، بل أصبح يؤثر على العائلات والمجتمع، ويضغط على المنظومة الطبية المتأثرة بالأزمات الاقتصادية والبيئية والصحية المتراكمة.
وفق ما نشرته صحيفة «دايلي مايل» البريطانية استناداً إلى نشرة Lancet Global Burden Of Disease، صنف لبنان في المرتبة الأولى عالميًا من حيث ارتفاع نسب الوفيات بسبب السرطان خلال الثلاثين عامًا الماضية، مع زيادة تقدر بحوالي 80%. ويثير هذا التصنيف التساؤل حول دقة البيانات ومدى توافقها مع الواقع المحلي، السجل الوطني للسرطان توقف عن نشر الإحصاءات منذ عام 2016، مع آخر أرقام موثقة تُشير إلى 13,390 إصابة في 2022.
بيانات رسمية أم تقديرات عالمية؟
يؤكد البروفسور فادي كرك، اختصاصي أمراض الدم والأورام، أن التقرير البريطاني يركز على عدد الوفيات المقدّر، وليس على عدد الإصابات الفعلية، وهو ما يجعلها تقديرات حسابية قد تحمل هامش خطأ واسعًا، لا سيما في غياب بيانات دقيقة عن الوفيات من وزارة الصحة.
ويشير إلى أن الوزارة بدأت منذ 2023 بتفعيل خطة وطنية لمكافحة السرطان، بما في ذلك إعادة تشغيل السجل الوطني للسرطان وتحديث البيانات باستخدام أساليب دقيقة لرصد الإصابات مثل تقنية Capture and recapture.
الوزير السابق فراس الأبيض أضاف أن هناك عوامل بيئية وسلوكية قابلة للتعديل تلعب دورًا كبيرًا في تصاعد الحالات، أبرزها التدخين، التلوث البيئي، استهلاك الكحول، والعادات الغذائية غير الصحية. وأكد أن فشل الدولة في تطبيق السياسات الصحية الوقائية ساهم في استمرار هذا الاتجاه المقلق.
أسباب محلية لتزايد السرطان:
يربط الخبراء ارتفاع حالات السرطان في لبنان بعدة عوامل رئيسية:
التلوث البيئي: تلوث الهواء والمياه والمزروعات بالمواد الكيميائية والملوثات البيئية.
المولدات الكهربائية: انتشار مولدات تعمل لساعات طويلة يؤدي إلى تراكم جسيمات كيميائية مسرطنة في الأحياء السكنية.
الحروب والنزاعات: استخدام أسلحة تحتوي على مواد كيميائية أو فوسفورية ترك آثارًا صحية طويلة الأمد، ومن المتوقع أن تظهر نتائجها بحلول عام 2030 وما بعده.
الكشف المبكر والتشخيص: ارتفاع نسب التشخيص المبكر لبعض أنواع السرطان ساهم في زيادة أرقام الإصابات المسجلة، لكنه ساعد أيضًا على تحسين نسب العلاج والشفاء.
التغيرات الديموغرافية: تزايد عدد كبار السن من السكان أدى إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان المرتبطة بالعمر.
أنواع السرطانات الأكثر انتشاراً:
تشير البيانات الحالية إلى أن سرطان الثدي يحتل المرتبة الأولى بين النساء، بينما تشمل أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين الرجال سرطان البروستاتا، والرئة، والمثانة، إضافة إلى سرطان المصران لدى الجنسين. ويعد الدواء الجديد HER2 Positive نقلة نوعية في علاج سرطان الثدي، إذ ساهم في زيادة نسب الشفاء وتقليل معدل الوفيات.
أزمة تحتاج إلى مراقبة دقيقة:
رغم احتمال أن تكون الأرقام الواردة في التقرير البريطاني مبالغًا فيها بعض الشيء نتيجة الاعتماد على الإسقاطات، إلا أن الواقع على الأرض يشهد زيادة فعلية في حالات السرطان في لبنان.
ويشير الخبراء إلى أن معالجة هذه الأزمة تتطلب مراقبة دقيقة للبيانات المحلية وتطوير خطط الوقاية والكشف المبكر، مع تعزيز القدرات الطبية ومواكبة أحدث العلاجات.