تترقب الساحة اللبنانية حدثاً استثنائياً مع اقتراب موعد الزيارة المرتقبة للبابا فرنسيس أواخر تشرين الثاني المقبل، وهي زيارة تحمل في طياتها ما يتجاوز الطابع الروحي والديني لتشكل محطة مفصلية على الصعيد السياسي والدبلوماسي. فلبنان، الغارق في أزماته الاقتصادية والمالية والانقسام الداخلي، يعلّق آمالاً على حضور البابا ليس فقط كراعٍ للمسيحيين، بل كمرجعية دولية قادرة على إعادة تسليط الضوء على خصوصية التجربة اللبنانية في العيش المشترك.
أهمية الزيارة تكمن في كونها تأتي في مرحلة حساسة، حيث لم تنجح المبادرات الإقليمية والدولية في إخراج لبنان من مأزقه، فيما يواجه البلد تحديات على مستويات متعددة: تفاقم الأزمة الاقتصادية، تراجع ثقة المجتمع الدولي، واستمرار الانقسامات حول دور الدولة وحدود سلطتها.
في هذا السياق، يُنتظر أن يشكل حضور البابا رسالة ضغط ناعمة على القوى السياسية بضرورة إنقاذ صيغة لبنان وعدم السماح بانهيارها الكامل.
سياسياً، لا يمكن فصل الزيارة عن الاهتمام الفاتيكاني المتواصل بلبنان، والذي غالباً ما يُترجم بتحريك قنواته الدبلوماسية لحشد دعم أوروبي ودولي لمساعدة الدولة اللبنانية. ويُقرأ تحديد الموعد – في حال تثبيته – كإشارة إلى أن الفاتيكان يرى في هذه المرحلة فرصة مناسبة لإعادة تثبيت الدور المسيحي في المعادلة الوطنية، من دون أن يعني ذلك إغفال البعد الإسلامي والشراكة الوطنية.
أما على الصعيد الديني، فإن الزيارة تحمل بعداً رمزياً قوياً، إذ تأتي لتعيد التأكيد على مكانة لبنان كأرضٍ للتنوع والتلاقي، في وقت تتعرض فيه هذه الهوية لهزات نتيجة الهجرة الواسعة للمسيحيين وتآكل البنية الاقتصادية والاجتماعية. حضور البابا يمكن أن يمنح اللبنانيين دفعاً معنوياً، ويذكّرهم بأن العالم لا يزال يراقب التجربة اللبنانية ويحرص على استمرارها.
بحسب صحيفة "نداء الوطن"، التحضيرات للزيارة بلغت مرحلة متقدمة بانتظار البيان الرسمي من الفاتيكان لتحديد الموعد بدقة، وسط حديث عن أيام 30 تشرين الثاني و1 و2 كانون الأول، ما لم يطرأ أي تعديل. الزيارة ستكتسب أهمية سياسية تتجاوز بعدها الروحي، في ظل حاجة لبنان الماسة إلى دعم خارجي يعيد إليه بعض التوازن وسط تقاطعات إقليمية ودولية معقدة.
في المحصلة، إذا ما حصلت الزيارة في موعدها، فإنها لن تكون مجرد محطة بروتوكولية، بل حدثاً سياسياً ودينياً كبيراً، يعكس إصرار الفاتيكان على لعب دور فاعل في حماية الصيغة اللبنانية، ويعيد طرح لبنان على طاولة الاهتمام العالمي، في لحظة قد تكون الأخيرة لإنقاذ ما تبقى من نموذج الدولة – الرسالة.