تشهد الساعات الأخيرة من الحرب على غزة تطورًا محوريًا مع دخول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيّز التنفيذ العملي، بعدما أوقفت إسرائيل عملياتها العسكرية تمهيدًا لبدء مفاوضات غير مسبوقة مع حركة حماس. التحرك، الذي يأتي بعد ضغوط أمريكية مكثفة، يضع تل أبيب أمام معادلة معقدة: تنفيذ انسحاب جزئي مدروس، والإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، مقابل إنهاء ملف الرهائن ووقف الحرب.
بحسب القناة 12 العبرية، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية (الجيش – الشاباك – الموساد) تعمل بشكل مشترك على إعداد قائمة الأسرى الفلسطينيين المقرر الإفراج عنهم، والتي تشمل نحو 250 من أصحاب الأحكام المؤبدة، ما يعني تقليص عدد السجناء المحكومين بالمؤبد داخل السجون الإسرائيلية إلى بضع عشرات فقط.
إلى جانب ذلك، تُعِد فرق متخصصة خرائط انسحاب دقيقة من قطاع غزة، تتوافق مع الخطوط العامة لخطة ترامب، بحيث يتم عرضها على الوسطاء خلال المفاوضات. وتصف القناة التحدي السياسي الأكبر في أن الحكومة الإسرائيلية مضطرة لعقد هذه المفاوضات في ظل توقف القتال تحت ضغط أمريكي مباشر، ما يجعل ردود الفعل داخل الائتلاف الحاكم، وخاصة من وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، ذات أهمية قصوى في تحديد المسار المقبل.
وقد أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن القتال توقف فعليًا الليلة الماضية، بأوامر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وأفاد المتحدث باسم الجيش أن رئيس الأركان إيال زامير رفع مستوى الجاهزية لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب الخاصة بملف الرهائن، مشيرًا إلى أن ذلك يأتي بتوجيهات مباشرة من القيادة السياسية.
مكتب نتنياهو شدد في بيان رسمي على أن إسرائيل "تتحرك بالتعاون الكامل مع الرئيس ترامب وفريقه لإنهاء الحرب وفقًا للمبادئ الإسرائيلية والرؤية الأمريكية"، في إشارة إلى توافق استراتيجي بين الطرفين رغم الخلافات الداخلية في تل أبيب.
من جانبها، أعلنت حركة حماس أنها سلّمت الوسطاء ردّها على خطة ترامب، مؤكدة موافقتها على وقف الحرب وتسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية مستقلة من التكنوقراط، بما يضمن توافقًا وطنيًا فلسطينيًا مدعومًا عربيًا وإسلاميًا.
الرئيس الأمريكي ترامب رحّب بموقف حماس، معتبرًا أنه "مؤشر على استعداد الحركة لسلام دائم"، داعيًا إسرائيل إلى وقف القصف بشكل فوري.
تأتي هذه التطورات بعد أشهر من الحرب التي أوقعت عشرات الآلاف من الضحايا ودفعت المنطقة إلى حافة الانفجار الإقليمي. خطة ترامب، التي وُصفت في البداية بأنها مستحيلة التطبيق، تحوّلت اليوم إلى المسار الوحيد المطروح لإنهاء الحرب، عبر تبادل واسع للأسرى، وانسحاب إسرائيلي تدريجي، وتشكيل إدارة فلسطينية انتقالية لقطاع غزة.
لكن التحدي الأكبر يبقى في الداخل الإسرائيلي، حيث يواجه نتنياهو انقسامات حادة بين تيار متشدد يرفض التنازل تحت النار، وتيار براغماتي يرى في المبادرة فرصة لإنهاء الحرب بأقل الخسائر. أما على الجانب الفلسطيني، فإن موافقة حماس تعكس إدراكًا بأن استمرار الحرب لم يعد خيارًا قابلًا للتحمل، خاصة في ظل الكلفة الإنسانية الهائلة.