قرار وزير العدل اللبناني يثير جدلًا قانونيًا واسعًا

رامي عازار

2025.10.04 - 09:00
Facebook Share
طباعة

 أثار تعميم صادر عن وزير العدل اللبناني، يحمل الرقم ١٣٥٥، جدلاً واسعًا حول مدى توافقه مع القوانين المحلية، بعد أن ألزم الكتّاب العدل بالتحقق من الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات الدولية قبل تسجيل أي معاملات مالية أو عقارية تتجاوز حدًا معينًا.


وينص التعميم على أن يكون على كاتب العدل التحقق من هوية الأطراف، بما في ذلك المالك الاقتصادي ووسيط المعاملة، والتأكد من عدم وجود أي أسماء على لوائح العقوبات الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية أو مجلس الأمن الدولي. كما يفرض التعميم تسجيل معلومات عن مصدر الأموال، في خطوة أثارت تساؤلات حول مدى قانونيتها، خصوصًا أنها تتعلق بحقوق ملكية أساسية وحرية التعاقد.


المسؤوليات والسلطات القانونية
قانون تنظيم مهنة الكتّاب العدل (رقم ٣٣٧/١٩٩٤) يمنح الوزير سلطة رقابية وتنظيمية على مهنة الكاتب العدل، بما في ذلك التفتيش الإداري والمالي وفرض عقوبات إدارية على المخالفين، لكنه لا يمنح الوزير تفويضًا لتعديل جوهر مهام الكاتب أو فرض قيود إضافية على الأهلية القانونية للأفراد.


وبموجب قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (رقم ٤٤/٢٠١٥)، أُدرجت المهن غير المالية مثل المحامين والكتّاب العدل ضمن الفئات الملزمة بالإبلاغ عن العمليات المشبوهة، لكن أي تعديل إضافي على واجبات هذه المهنة يجب أن يتم عبر السلطة التشريعية لضمان مشروعية الإجراءات وحماية حقوق الأفراد.


التعارض مع القوانين المحلية والدولية
يشير محللون قانونيون إلى أن التعميم يفرض التزامات تتجاوز القانون المحلي، إذ يوسع نطاق العقوبات الإدارية على الكتّاب العدل دون ضمانات قضائية واضحة، ويمنحهم مسؤولية التحقق من القوائم الدولية التي ليس لديهم إمكانية وصول كاملة إليها. كما لا تحدد الإجراءات المعتمدة كيفية حماية البيانات الشخصية أو التعويض في حال وقوع أخطاء، ما يطرح مخاطر قانونية كبيرة.


علاوة على ذلك، يعارض التعميم المبادئ الأساسية للأهلية القانونية في لبنان، إذ أضاف معيارًا جديدًا يمنع أي شخص مدرج على قوائم العقوبات الخارجية من إجراء أي معاملات مالية أو عقارية، حتى لو لم يصدر حكم قضائي بحقه. ويعد هذا التحرك غير مسبوق على المستوى المحلي أو الدولي، إذ أن العقوبات الأميركية أو الدولية تقتصر عادة على التعاملات ضمن نطاق الدولة المصدرة لها، ولا تؤثر مباشرة على حقوق الأفراد في بلدانهم.


تأثير على حرية التعاقد والسوق العقارية
يُعتبر مبدأ حرية التعاقد ركيزة أساسية في النظام القانوني اللبناني، إذ يتيح للأفراد اختيار التعاقد أو الامتناع عنه وفق شروطهم الخاصة دون تدخل حكومي. التعميم الجديد يلزم الكتّاب العدل بتسجيل بيانات الأطراف والتحقق من مصادر الأموال، مما يضعهم في موقع مراقب دولي بدلاً من موثق محايد، ويجعل معاملات السوق العقارية مشروطة بالالتزام بمعايير دولية ليست جزءًا من التشريع اللبناني الأصلي.


ويؤدي هذا الوضع إلى مخاطر إضافية، بما في ذلك اللجوء إلى معاملات غير رسمية لتجنب التحقق أو رفض بعض المعاملات لأسباب غير قانونية، وهو ما يناقض الهدف المعلن لتعزيز الشفافية ومكافحة تبييض الأموال.


الانتقادات والمخاطر العملية
قانونيون ومختصون يشيرون إلى أن التعميم ينقل مسؤوليات تنفيذ عقوبات دولية مباشرة إلى الكتاب العدل، ويضعهم تحت تهديد غرامات مالية كبيرة تصل إلى عشرين ضعف الحد الأدنى للأجور دون ضمانات واضحة للإجراءات القانونية. كما أن غياب البنية التقنية والوصول إلى قواعد البيانات الدولية يزيد من احتمالية الأخطاء أو التأخير في تنفيذ المعاملات.


ويرى محللون أن الخطوة تمثل خضوعًا واضحًا للضغوط الدولية، خصوصًا توصيات مجموعة العمل المالي (FATF)، وتفرض قواعد خارجية على المعاملات المحلية، مما يثير قلقًا بشأن السيادة القانونية اللبنانية. في المقابل، تلتزم دول الاتحاد الأوروبي وغيرها بتطبيق إجراءات "اعرف عميلك" على المهن القانونية ضمن إطار تشريعات واضحة تضمن حماية الحقوق الفردية.


ردود الفعل والتحركات المتوقعة
علم أن غالبية الكتاب العدل أبدوا اعتراضهم على التعميم، وأن هناك استعدادًا لتحركات قانونية لاحقة لطلب مراجعة القرار أو الطعن بمشروعية فرض الالتزامات الإضافية عليهم. وتؤكد هذه التحركات أن الإجراء يثير جدلاً واسعًا على مستوى الممارسة المهنية والقانونية، وقد يكون له تأثير طويل الأمد على السوق العقارية وحرية التعاقد في لبنان.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 9